فهرس الكتاب
الصفحة 262 من 401

والأبدي أو الأبد هذا نفيٌ للنسيان {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم: 64] . حينئذٍ الأول العلم السابق هذا نفيٌ للجهل لأنه علم، وعدم العلم هو الجهل، فلو لم يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه هذا وصفٌ لله بالعلم أو بالجهل؟ وصفٌ لله تعالى [بالعلم] [1] بالجهل، إذا قيل كما قال بعض المحرفة: بأن الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد أن يقع، حينئذٍ كان جاهلاً به ثم علمه، وهذا باطل لأن الله عز وجل متصفٌ بصفة العلم الأزلي الذي هو السابق الدائم، وكذلك العلم الأبدي الباقي المستمر، ودليل هذه المرتبة من الكتاب، إذًا المرتبة الأولى من مراتب القدر، أو الإيمان بالقضاء والقدر، مرتبة العلم الأزلي السابق، دليلها قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] . {بِكُلِّ شَيْءٍ} هذه صيغة عموم، و {شَيْءٍ} يدخل تحتها كل مخلوقٍ سواءٌ علم به المخلوق أم لا؟ حينئذٍ عم قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ} . والخبر مؤكد بـ إن {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فهو سبحانه موصوفٌ بالعلم، ووجه هذا العلم كونه محيطًا بكل شيء، {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، عليمٌ بكل شيء، بكل هذا جار ومجرور متعلق بقوله: ... {عَلِيمٌ} . وبأنه بكل شيءٍ عليم أزلاً وأبدًا، عرفنا الأزل المراد به في الماضي، والأبد المراد به في المستقبل، والمراد بهما بالقيدين دوامه وبقاؤه سابقًا ومستقبلاً، فلم يتقدم علمه جهالة لم يتقدم علمه جل وعلا جهالة ... {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} ، ومنها قوله تعالى: {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] كالآية السابقة: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} [غافر: 7] . {كُلَّ شَيْءٍ} ، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] ، إذًا ما من شيءٍ قبل أن يوجد وبعد أن يوجد وعلى الحال التي سيوجد عليها إلا الله عز وجل قد علمه قبل وجوده إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرةً، ولذلك أجمع أهل السنة على أن من أنكر هذه المرتبة فهو كافر مرتدٌ عن الإسلام.

(1) سبق. دد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام