المرتبة الأولى التي أجمع عليها أهل العلم، المراتب كلها مجمعٌ عليها هي: مرتبة العلم، ومرادهم بالعلم هو: الإيمان بأن الله علم ما الخلق عاملون بعلمه الأزلي الذي هو موصوفٌ به أزلاً، وسبق معنا أن صفة العلم من الصفات الذاتية، وأنها، أي: صفة العلم، علم الخالق جل وعلا متناولةٌ للموجود والمعدوم، بمعنى أنه لا يغيب عنه شيءٌ البتة، بمعنى أنه يوجد شيء وقد علمه سابقًا قبل أن يوجد، فتعلق علمه بالموجود بعد أن يوجد وقبل وجوده كذلك، وثَمَّ فرقٌ بين العلم السابق والعلم الحاضر من حيث التحقق فقط، وأما صفة العلم وجنس القدر المشترك بينهما فهو ثابتٌ، وكذلك متناولٌ للواجب والممكن والممتنع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن علم الله السابق محيطٌ بالأشياء على ما هي عليه لا محو فيه ولا تغيير ولا زيادة ولا نقص، فما علمه الله عز وجل من كون الشيء يقع قبل خلق السماوات الأرض بخمسين ألف سنة حينئذٍ يقع كما هو علمه سابقًا لا يتبدل ولا يتغير لا يزيد ولا ينقص، فإنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون، يعني: الذي لا يقع ولا يحصل لو حصل كيف يكون؟ الله عز وجل يعلمه، ولو كان جمعًا بين نقيضين، ولو كان جمعًا بين ضدين، ولو كان محالاً، الله عز وجل يعلم لو كان هذا الشيء ووجد كيف يكون، بخلاف علم المخلوق فإنه ناقصٌ من كل وجهٍ، إذًا الله تعالى موصوفٌ بأنه عالمٌ لما الخلق عاملون بعلمه الأزلي الذي لا نهاية لأوله، والعلم الأزلي هو الذي يعبر عنه كثيرٌ من المتأخرين بالعلم القديم، يعني: السابق على الخلق، خلق السماوات والأرض، ذاك يعنون له بالعلم الأزلي الذي هو العلم القديم والتعبير بالقديم هذا لا أصل له، وإنما التعبير يكون بالأزلي الذي لا نهاية لأوله، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، كلها بعلمه السابق جل وعلا، والأزل هو القدم الذي لا نهاية له، فالأزل هو الدوام في الماضي، ولذلك يعبر بعضهم بعلمه الأزلي الأبدي، كذا عبر ابن تيمية رحمه الله تعالى في (( الواسطية ) )أذلاً وأبدًا، أزلاً هذا في الماضي، وأبدًا هذا في المستقبل، فالأزل هو الدوام في الماضي، والأبد ما ليس له آخر فهو الدوام في المستقبل، فالأزلي هو الذي لم يزل كائنًا، والأبدي هو الذي لا يزال كائنًا، وكونه لم يزل ولا يزال معناه دوامه وبقاؤه، إذًا علمه الأزلي الأبدي الذي هو دائمٌ في الماضي لم يتغير ولم يتبدل وهو كذلك دائم في المستقبل لا يتبدل ولا يتغير ولا يعتريه نقصٌ ولا زيادة، وكونه لم يزل هكذا قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وكونه لم يزل ولا يزال معناه دوامه وبقاءه الذي ليس له مبتدأ ولا منتهى. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فالأول الذي هو الأزلي نفيٌ للجهل.