فهرس الكتاب
الصفحة 258 من 401

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (وقدَّر أرزاقهم وآجالهم) . قدر أي: الله عز وجل، (أرزاقهم وآجالهم) الأرزاق جمع رزقٍ، وهو لغةٌ أو لغةً الحظ والنصيب، وهو لغةً الحظ والنصيب، وشرعًا هو ما ينفع من حلالٍ وحرام، كل ما يأكله العبد ويتقوم به سواءٌ كان حلالاً أو حرامًا يسمى رزقًا، ولا يختص الرزق بالحلال كما ادعاه بعض أهل البدع، لأنه يلزم منه أنه من عاش على الحرام أن الله تعالى لم يرزقه، والله عز وجل قال: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} [النور: 45] ، {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] . {وَمَا مِن دَآبَّةٍ} هذا من أعلى صيغ العموم كل دابة ويدخل فيها الإنسان، {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} تكفل الله عز وجل برزقها، حينئذٍ الرزق هو ما يقوم به البدن، يعني: الذي يعيش به، وقد يعيش بحلال وقد يعيش بحرام، إذًا: ما دام أنه وصل إليه الرزق وأكل وشرب حينئذٍ يسمى رزقًا والله رازقه، وحينئذٍ نقول: الرزق ما ينفع وما يضر. يعني لا يُخْتَصُّ أو لا يَخْتَصُّ بالحلال دون الحرام، قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} . فلا بد لكل مخلوقٍ من استكمال رزقه، كما في حديث حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «هذا رسول رب العالمين» . يعني جبرائيل «نفث في روعي أنه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها» . والله عز قدَّر الأرزاق بأن لزيدٍ من الناس كذا من الرزق لن يموت إلا وقد استكمل هذا الرزق، فلا يخاف الإنسان على نفسه من أن يموت جوعًا، لذلك لا يموت الإنسان جوعًا، الإنسان لا يموت جوعًا أبدًا ولا عطشًا لماذا؟ لأن هذا الرزق الذي هو طعام مثلاً قد انتهى، فإذا انتهى حينئذٍ صار سببًا في الموت، وليس الموت نتيجةً للجوع نفسه، يعني: لذاته، وإنما لكون الرزق قد انتهى وانقطع عنه، ولذلك قال: ... «نفث في روعي أنه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها» . رواه البزار، بمعنى أنه لا يموت ويبقى شيءٌ لم يأتيه البتة، وفي حديث ابن مسعود المتفق عليه قال: «ثم يرسل» أو «فيرسل الملك فيأمر بأربع كلمات بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٍ أو سعيد» . ... الحديث، والآجال، أي: أن الله تعالى قد علم رزقه وأجله قبل خلقه وإيجاده، يعني: علم كم سيعيش من المدة، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] . والأجل هو غاية الوقت في الموت ومدة الشيء، وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال: قالت أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله - يعني: أطل في عمره - وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لقد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاقٍ مقسومة، لن يُعَجِّلَ شيئًا قبل أجله، أو يؤخر شيئًا عن أجله، ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذابٍ في القبر كان خيرًا أو أفضل» .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام