فهرس الكتاب
الصفحة 235 من 401

وقد ذكر المصنف جملةً من الصفات المتعلقة بالرب جل وعلا بعد أن بين القاعدة العامة التي في ظاهرها أنها موافقةٌ لطريقة السلف من حيث الإثبات على ما سبق تقريره، ثم سرد جملةً من الصفات، وكان الحديث في الجلسة الماضية عن الكلام صفة الكلام المتعلقة بالرب جل وعلا، وتوقفنا عند قوله رحمه الله تعالى: (والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه، ويكلمهم ويكلمونه، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] ، وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ) . إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى، وهذا ما يعنون له كما هو موجودٌ في بعض النسخ (رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة) ، ففيه إثبات الرؤية للرب جل وعلا وأنه خاصٌ بالمؤمنين وذلك في الجنة، وأما في العرصات فهو شاملٌ للمؤمنين والمنافين كما يأتي بيانه، إذًا المبحث الذي معنا هو ما يتعلق برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، يعني: في الدار الآخرة، فأما رؤية الله تعالى في الدنيا فهي مستحيلة، ولذلك يقيد أهل العلم من تكلم في هذا المقام بأن الرؤية خاصةٌ بيوم القيامة على خلافٍ بينهم هل الكفار يرون ربهم في عرصات؟ كذلك المنافقون أم أنها رؤيةٌ خاصةٌ بالمؤمنين؟ فأما رؤية الله تعالى في الدنيا فهي مستحيلة لقوله جل وعلا لموسى عليه السلام وقد طلب رؤية الله تعالى: {لَن تَرَانِي} . {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} . قال له جل وعلا: {لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] . أي: في الدنيا لأنه ورد في النصوص القطعية بذات الدلالة القطعية بالكتاب والسنة أن المؤمنين يرون ربهم جل وعلا في الجنة وكذلك في العرصات، حينئذٍ يحمل قوله جل وعلا خطابًا لموسى عليه السلام: {لَن تَرَانِي} . ليس مطلقًا كما ظنه من ظنه من أهل التحريف بأنه {لَن تَرَانِي} مطلقًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، واستدل بعضهم على نفي الرؤية بهذه الآية، وهذه الآية عند التأمل إنما هي دليلٌ عليها، لأن موسى عليه السلام وهو كليم الرب جل وعلا وكليم الرحمن لا يُظَنُّ به أنه يسأل ربه ما لا يجوز له البتة، فلو كانت الرؤية ممتنعة في الدنيا وفي الآخرة لما جاز لموسى عليه السلام وهو كليم الرحمن الذي يوحى إليه وهو رسوله وهو من أولى العزم من الرسل أن يسأل ما لا يجوز له شرعًا، فلما سأل ما يجوز له ظن موسى عليه السلام أن الرؤية كما هي في الآخرة كذلك ممكنةٌ في الدنيا، يعني: قاس الدنيا على الآخرة، ولضعف البشر في الدنيا حيث لا تكون عندهم تلك القدرة التي يتمكنون من رؤية الخالق جل وعلا قال له سبحانه: {لَن تَرَانِي} . والعلة لضعف البشر، بخلاف الآخرة فإنما يكون الشأن بخلاف ذلك، قد يكون الله عز وجل يخلق في الخلق قدرة يتمكنون بها من استيعاب الموقف ومن النظر إلى الخالق جل وعلا، إذًا في الدنيا الرؤية مستحيلة لقوله تعالى: {لَن تَرَانِي} .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام