( {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} ) فسمى القرآن آيات، بدليل ماذا؟
ما أطلقه عليه هؤلاء الذين لا يرجون لقاء الله تعالى، فأخبر الله تعالى أنه يتلى عليهم ولا يتلى إلا ما هو حروف وكلمات، ثم يسمى آيات كذلك كما في قوله: ( {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} ) . يعني: الذي تلوته علينا، ( {أَوْ بَدِّلْهُ} ) ، يعني: إما غير أو بدله، ( {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي} [يونس: 15] ) لأنه وحي النبي - صلى الله عليه وسلم - مبلغ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] ، فدل على أنه لا يستطيع وليس من شأنه وحقه أن يبدل من تلقاء نفسه لأنه مبلغ، يقول ابن كثير في هذه الآية: يخبر تعالى عن تعنت الكفار من مشركي قريش الجاحدين المعرضين عنه أنه إذا قرأ عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتاب الله وحججه الواضحة قالوا له: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} . أي: رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر، {أَوْ بَدِّلْهُ} إلى وضع آخر، قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم: ( {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي} ) . أي: ليس هذا إليَّ إنما أنا عبد مأمور ورسول مبلغ عن الله تعالى {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ... [يونس: 15] فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم، ولا يتلى إلا ما هو كلمات وحروف.
(وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] ) أي هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمرًا ونهيًا وخبرًا يحفظه العلماء، ( {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} ) ، من أَجَلّ ما يمتاز به أهل العلم حفظ القرآن، يسره الله تعالى عليهم حفظًا وتلاوة وتفسيرًا.