فهرس الكتاب
الصفحة 205 من 401

(يسمعه منه) يعني: جل وعلا، (من شاء من خلقه) يسمعه من شاء، (من) هذه فاعل، و (يسمعه) الضمير يعود على الكلام، (منه) الرب جل وعلا، (من شاء من خلقه) ، (من خلقه) متعلق بقوله: (شاء) . فيه إثبات أن كلام الله تعالى مسموع (يسمعه منه من شاء) ، إذًا كلام الله تعالى مسموع، وإذا كان كذلك لا بد أن يكون بصوت وحرف لا يماثل أصوات المخلوقين، (سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة) ، هذا كمثال، يعني: إذا قيل: من سمعه من الله عز وجل؟ يعني: مباشرةً. نقول: سمعه موسى عليه السلام من غير واسطة. والواسطة ما يَتَوَصل به، أو يُتَوَصل به إلى الشيء قال تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13] . {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} ، يعني: استمع ما يوحى، {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} ، ثم قال المصنف: (وسمعه جبريل عليه السلام) . وهو الملك الموكل بالوحي، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102] . وهو: جبرائيل عليه السلام. سمعه من الله تعالى مباشرة، وما شاع عند بعض المتأخرين من الأشاعرة وغيرهم أن الله عز وجل أنزل القرآن في اللوح المحفوظ وأخذه جبريل عليه السلام من اللوح المحفوظ غلط، هذا غلط، وما أورده عن ابن عباس في هذا المعنى ضعيف لم يثبت، قال: (ومن أذن له من ملائكته ورسله) . أما الملائكة فلقوله - صلى الله عليه وسلم: «ولكن ربنا إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم» . الحديث رواه مسلم، وأما الرسل فكما سبق كلم موسى عليه السلام، وكلم محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج، كلمه ربه جل وعلا، ثم قال المصنف: (وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه) . وهذا لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله لأهل الجنة» ، «إذ يقول الله لأهل الجنة» . والكلام والقول بمعنى واحد، الكلام هو: اللفظ المفيد، والقول هو: اللفظ الدال على المعنى. فهما بمعنى واحد، «يقول الله» . فيه إسناد القول إلى الرب جل وعلا، وقد يطلق القول ويراد به المعنى النفسي، لكن يجب تقيده، ولذلك قال تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8] . إذًا أراد هنا حديث النفس، وأما إذا أُطلق القول كالكلام فإنما يراد به اللفظ ومعناه، وإذا أريد المعنى حينئذٍ نقيده {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} يكون استعمال اللفظ في بعض مدلولاته، وهو المعنى دون اللفظ وأريد به حديث النفس كما في الآية، هنا قال - صلى الله عليه وسلم: «يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة» . هذا فيه نداء، فدل على أنه مسموع، لأن النداء نوع من أنواع الكلام، ولا يكون إلا بصوت وحرف، لا تناديه بحديث النفس ما كلمته ولا ناديته، وإنما يكون نداءً إذا كان مسموعًا، فيقال: يا موسى، يا فلان، يا أهل الجنة. حينئذٍ نقول: هذا نوع من أنواع الكلام وهو نداء، والنداء يلزم منه الحرف والصوت، «يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك رَبَّنا» . [أو «رَبُّنا وسعديك» ] . ربَّنَا يا ربَّنَا وسعديك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام