بل العقل لا يُدرك كيفية النار، ولا كيفية الجنة، ولا كيفية الكلاليب، ولا الصراط، العقل لا يدرك هذا، لأنه كما سبق العقل لا يدرك كيفية الشيء إلا برؤيته، أو رؤية نظيره، أو خبر الصادق المصدق. وهذه كلها منتفية في المغيبات سواء كان في جلوسه في القبر أو .. نحو ذلك أو السؤال أو الضغطة أو .. نحوه، كلّ هذا نقول: نؤمن به لفظًا ومعنًى ولكن كيف هو؟ نقول: الله أعلم به.
فإذا كان ذلك في شأن المخلوقات فكيف بشأن الرب جل وعلا ذاتًا وصفاتًا.
إذًا والكيف غير معقول لأن الله تعالى أعظم وأجل من أن تدرك العقول كيفية صفاته.
ثم قال الإمام مالك، إذًا هنا قابل (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول) . عندنا أمران متقابلان معنًى وكيف، فنفي الجهل عن ماذا؟ عن الاستواء يعني: العلم به، إذًا هو معلوم، ونفى الإدراك للكيف، إذًا متقابلان وهما شيءٌ واحد معنًى وكيف، أثبت الأول وهو المعنى بأنه معلوم غير مجهول، ونفي الثاني يعني: العلم به، وليس المراد الكيف غير معقول أنه لا كيفية له؟ لا، ليس هذا المراد، بل ما من شيءٍ موجود إلا وله كيفية، لكن نحن لا ندري، الله أعلم بها، (والإيمان به) ، الإيمان يعني: التصديق واعتقاده حقًّا به يعني: الاستواء (واجبٌ) ، لماذا واجب؟ لأنه ورد في الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف، وكل ما كان كذلك فالأصل فيه وجوب الإيمان كما نؤمن بوجوب الصلاة الخمس والصيام والزكاة والحج و .. نحو ذلك، وبر الوالدين وصلة الرحم، وهذه لا مراء فيها، فما أخبر الله به عز وجل عن نفسه وهو أعلم بنفسه، وما أخبر عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق بربه وجب الإيمان به، بل هنا أعلى درجات الإيمان، بل هنا: أعلى درجات الوجوب، لماذا؟ لأن الوجوب متفاوت ليس درجتة واحدة، منه ما هو عين، ومنه ما هو كفاية، والعين منه ما هو متفق عليه ومنه ما هو مختلف فيه. وهذا الإيمان هنا في باب المعتقد هو أعلى درجات الإيمان الواجب العيني، بمعنى أنه إذا علم الإنسان تعين عليه أن يؤمن بما ذكر، والإيمان به يعني: بالاستواء، تصديق به واعتقاده حقًّا وأنه ثابت لله عز وجل على ما يليق بجلاله لا يستلزم التمثيل ولا المشابهة للمخلوقات ونضع بجوار قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشوى: 11] والسؤال عنه بدعة.
إذًا أصل السؤال بَيَّنَ الإمام مالك بقدرته واستطاعته منذ أن يسأل كيف استوي يقول: بدعة سؤالك. لكن أراد أن يبين وأن يقرر المسألة ولذلك صارت هذه قاعدة عند أهل السنة والجماعة، وإن اختلف أول من قالها هل هو ربيعة شيخ مالك؟ هل هي أم سلمة؟ لم يثبت عن ربيعة ولا أم سلمة وإنما هو حديث ضعيف، وإنما المشهور عن الإمام مالك رحمه الله تعالى، ولذلك لما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى قول مالك هذا قال: ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك، والأكثر على أنه لم يثبت، وأما ما ورد عن أم سلمة فالحديث ضعيف.