إذًا يقر الاصطلاح، حينئذٍ لا مشاحة في الاصطلاح، وأما بناء حكم شرعي بأن هذا يقبل وهذا لا يقبل في تقرير العقيدة ثم نأتي بما نرده في باب المعتقد ونقبله في باب الأحكام الشرعية العملية، فهذا محدث هذا تناقض، ما دام أنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجد القيود وعملنا به في باب الصلاة والصيام والزكاة والحج ثم نأتي في باب العقيدة نرده، هذا باطل، من أبطل الباطل، إذًا هذا الحديث يعتبر من الأحاديث المتواترة، ( «ينزل ربنا» ) ( «ربنا» ) أسند الفعل إلى الرب جل وعلا، نزولاً حقيقيًّا يليق بجلاله من غير تحريفٍ ولا تعطيل ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل، قوله: ( «كل ليلة إلى سماء الدنيا» ) السماء الدنيا هي أقرب السماوات إلى الأرض، السماوات سبع بالإجماع أقربها إلى الأرض هي السماء الدنيا، فينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا، وهي أقرب السماوات إلى الأرض، والسماوات سبعٌ، وينزل في هذا الوقت من الليل للقرب من عباده، كما يقرب منهم عشية عرفة حيث يباهي بالواقفين الملائكة، ( «كل ليلة» ) هذا عام يشمل جميع الليالي العام، يعني: لا يستثنى منه ليلةً واحدة ( «كل ليلة» ) ، هذه من صيغ العموم، ( «حين يبقى ثلث الليل الأخر» ) الليل يبتدأ من غروب الشمس اتفاقًا، واختلف في انتهائه، هل ينتهي بطلوع الفجر؟ أم بطلوع الشمس؟ الليل الشرعي ينتهي بطلوع الفجر، والليل الفلكي ينتهي بطلوع الشمس، يعني: اصطلحوا على هذا، فالمراد نزول الله نفسه، وعبر بعضهم بذاته، من باب الرد على المخالف، يعني: ( «ينزل ربنا» ) قالوا: ينزل أمر ربنا، أو ينزل ملك. حينئذٍ أرادوا أن يصرفوا هذا اللفظ إلى المجاز على قاعدة حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وهذا كما ذكرنا باطل، لأن الأصل حمله على حقيقته، أراد بعض السلف أن يرد على المخالف قال: ينزل بذاته. يعني: تحقيقًا للصفة، لو حذفنا ذاته نقول الأصل في قوله: ( «ينزل ربنا» ) . بذاته، فقوله: بذاته. مفهومٌ من التركيب نفسه، ينزل ربنا إذا قلت: بذاته. زائدٌ على التركيب لما دل على إثبات الصفة حقيقةً، واضح هذا؟ فإذا قيل: ( «ينزل ربنا» ) . من هذا التركيب نفهم أنه بذاته، لأنه أسند النزول إلى الذات، الرب بصفاته جل وعلا، فحينئذٍ قولنا: بذاته. يكون من باب التأكيد فقط ردًا على المخالف، فالمراد نزول الرب جل وعلا نفسه ولا نحتاج أن نزيد بذاته، لأن الفعل أضيف إليه على القاعدة اللغوية، لكن قال بعض السلف: بذاته. ردًا على المحرفة قد تجد بعضهم يعبر بهذا {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] بذاته، ( «ينزل ربنا» ) بذاته من باب تحقيق الصفة والرد على المخالفة، وليس بشيءٍ زائد لم يدل عليه اللفظ، لو سلمت بهذا لضاعت منك الصفات، ( «ينزل ربنا» ) لو قلت: هذا لا يدل على أنه بذاته حينئذٍ ما أثبت الصفات، تحتاج إلى تقرير آخر من أجل إثبات الصفات نقول: لا اللفظ نفسه يدل على الذات، ونقول: ( «ينزل» ) . هكذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا نتكلم عن استوائه على العرش هل يخلو منه العرش أو لا يخلو؟ إذا قيل: ( «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا» ) . هل ينزل يعني: ويترك العرش أو ينزل بعرشه؟ ثَمَّ ثلاثة أقوال: يخلو، لا يخلو، التوقف.