هذا يعمل ولو لم يحدث، يعني: ينشئ البدعة ابتداءً من عنده، فهو عمل ولا يلزم منه أن يكون محدثًا «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ» . من أحدث ولو لم يعمل، حينئذٍ الحديثان شمل كلاً من النوعين لأنه قد يحدث ولا يعمل وقد يعمل مقلدًا لغيره، ( «وإياكم ومحدثات الأمور فإن» ) هذا تعليل للحكم ( «فإن كل محدثة بدعة» ) ، ( «بدعة» ) هي مرادفة للإحداث، ( «وكل بدعة ضلالة» ) عرفنا المراد بالضلالة الذهاب عن الحق وضياعٌ عن الدين، إذًا دل هذا الحديث على وجوب التمسك بالسنة، وأراد المصنف هنا أن يبين أن في هذا الباب باب المعتقد ما يعبر عنه بالسنة، ويقابله ماذا؟ البدعة، فبين لك طريق السلف في التعامل مع نصوص الصفات سواءً كانت آيات أو أحاديث، هذا أمرٌ مجمعٌ عليه إن خالفهم مخالفٌ فقد أحدث وابتدع وضل الطريق، إذًا يقابل السنة ماذا؟ البدعة فهما متقابلان، والسنة في اللغة قوله: ( «عليكم بسنتي» ) . السنة في اللغة الطريق والسيرة، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سَنن من كان قبلكم» . يعني طريقته في الدين، «سَنن» طريقة في الدين، وقوله - صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنةً حسنة» . يعني سيرة، وشرعًا السنة عند علماء الحديث ما أضيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو وصفٍ، كل ما أضيف ونسب ورفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الأمور الأربعة إما قولاً فهو سنة، وإما فعلاً فهو سنة، وإما تقريرًا بأن يفعل أو يقال في حضرته أو في عصره سواءٌ اطلع عليه أم لا يسمى تقريرًا، أو وصفٍ، يعني: صفة خَلْقِيَّة من طولٍ وشعرٍ ونحو ذلك، فهذه كلها يعتبر من السنن، بقي شيء واحد وقَلَّ من ذكره أو تركه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل تشريعًا وقد يترك تشريعًا، فقد يترك شيئًا حينئذٍ يكون السنة هو تركه وفعله هو البدعة، ولذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى في الاقتضاء وفي غيره قعد قاعدة في معرفة البدع كل ما وجد سببه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فامتنع عن فعله ففعله بعده يعتبر بدعة، مثل ماذا؟ مثل المولد، مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بأن يفعل المولد، أليس كذلك؟ عَلِمَ متى ولد ومع ذلك تَرك، تَرك قصدًا أو غفلةً؟
قصدًا، نعم قصدًا، لا تقل: غفلةً. يعني: بمعنى أنه اتفاقًا لم يأتي في نفسه أنه قد ترك المولد، حينئذٍ نقول: ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل المولد وهو أولى الناس به، وكذلك الصحابة تبعوه على ذلك، إذًا ترك النبي وَوُجِدَ السبب وهو مولده، وَوُجِدَ القطع ففعله بعده الذي هو المولد بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر بدعةً، لماذا؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يشرع بالفعل ويشرع بالترك، فكل ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر بدعة، بعضهم يقول: إذًا المكبرات هذه بدعة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صلى فيها، ولا وجدت، خُطَب ولا غيرها؟ دد