القول الأول: قالوا: إن المراد بقول المصنف: (وما أشكل من ذلك) . أي كيفية الصفات، فكلام المصنف من أوله (وما أشكل من ذلك) هل مراده معاني الصفات أو مراده كيفية الصفات؟ إن قلنا: مراده معاني الصفات حينئذٍ ورد الإشكال (وجب إثباته لفظًا وترك التعرض لمعناه) ، وهؤلاء قالوا: لا ليس مراد المصنف ذلك، وإنما مراده هو ما أشكل من ذلك الذي هو كيفية الصفات. أي: كيفية الصفات فلا يتعرض لمعنى الصفات أي: كيفيتها. قالوا: ومعنى قول المصنف (وجب إثباته لفظًا) هو معنى قول السلف: أمروها كما جاءت. معنى قول المصنف: (وجب إثباته لفظًا) . هو معنى قول السلف: أمروها كما جاءت. وهذا غلطٌ على السلف أراد أن يحمي جانب ابن قدامة رحمه الله تعالى من التعرض له بالطعن في عقيدته ففسر كلام السلف بغير مذهبهم، فقول السلف: أمروها كما جاءت. هل فيه إثباتٌ للفظ دون التعرض للمعنى؟ الجواب: لا، مراد أمروها أي: الصفات كما جاءت، كيف جاءت؟ جاءت بإثباتها في الكتاب والسنة وبلفظٍ عربي والمدلول يفهمه السامع والمخاطب فيثبته حينئذٍ كما هي ولا يتعرض لهذا المعنى الذي دل عليه هذا اللفظ العربي بتأويل ولا تحريف ولا ردٍّ ولا تشبيهٍ ولا تمثيل، هذا مراد السلف أمروها كما جاءت، ليس في هذه الجملة أنهم يثبتون اللفظ دون المعنى، بل مرادهم أمروها كما جاءت لفظًا ومعنًى، بمعنى أنه لا يتعرض لها بأي شيءٍ مما تعرض لها أهل البدع، إما الجهمية والمعتزلة ونحو ذلك، حينئذٍ قول هذا القائل المعتزل عن ابن قدامة: أن معنى قول المصنف: (وجب إثباته لفظًا) . هو معنى قول السلف: أمروها كما جاءت، وهذا غلطٌ على السلف، ومعنى (ترك التعرض لمعناه) أي: ترك التعرض لحقيقة الصفة من حيث الكيفية، وهذا غلط أيضًا، لماذا؟ لأن مراده بقوله: (ترك التعرض لمعناه) . الضمير يعود إلى اللفظ، واللفظ له لفظٌ من حيث الحروف إثباتها مترابطة بعضها مع بعض وله مدلول ومفهوم حينئذٍ (ترك التعرض لمعناه) مراد المصنف فيما ظاهر العبارة أنه أراد ترك التعرض لمعنى اللفظ، ومعنى اللفظ ليس هو الكيفية، وإنما معنى الحقيقة التي دل عليها اللفظ وهي الصفة هي التي يعبر عنها بالكيفية، فالكيفية وصفٌ لما دل عليه اللفظ، وليس لفظًا للمعنى من حيث هو، فإذا قيل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . أثبت الاستواء وهو علوٌ خاص، إذًا علوٌ خاص هو مدلول اللفظ وليس هو عين الكيفية، ولكن الكيفية متعلقة بماذا؟ بمدلول اللفظ ومفهوم اللفظ، حينئذٍ هذا الاعتراض أو هذا التوجيه لا يستقيم بأن يقال: مراد المصنف بقوله: (وجب إثباته لفظًا) . كقول السلف: أمروها كما جاءت. وأن مراده بقوله: (ترك التعرض لمعناه) . أي: الكيفية. وهذا فيه تكلف، ومعنى (ترك التعرض لمعناه) ، أي: ترك التعرض لحقيقة الصفة من حيث الكيفية، وهذا الأسلوب معهودٌ عندهم أنهم إذا أرادوا عدم التعرض للكيفية قالوا: لا نتعرض لمعناه. ويقصدون به عدم التعرض للكيفية أو المعنى الباطن. نعم قد يقولون كما قال الإمام أحمد، وسيأتي في كلام المصنف: لا كيف ولا معنى.