فهرس الكتاب
الصفحة 88 من 397

هذه هي المسألة الثانية من المسائل التي خالف فيها رسول - صلى الله عليه وسلم - أهل الجاهلية، وهي: أن أهل الجاهلية كانوا متفرقين في دينهم ودنياهم، لا يجمعهم لا دين، وكذلك لا يجمعهم الدنيا، فهم ضائعون في دينهم كما أنهم ضائعون في دنياهم، وهذا وصف لازم لهم التفرق والاختلاف، فمن لوازم وصف أهل الجاهلية أنهم متفرقون في أمرين كل منهما لازم للآخر، فالفرقة الحاصلة في الدين يلزم منها حصول الفرقة في الدنيا، والعكس بالعكس فهما متلازمان، إذا حصلت الفرقة في الدنيا ترتب عليها حصول الفرقة في الدين والعكس بالعكس، فهما متلازمان وهذا الوصف لازم لهم التفرق والاختلاف، وفي المفردات: والتفريق أصله للتكفير. التفريق تَفْعِيل، والتفعيل صيغة مبالغة ويدل على التكفير، ويقال ذلك في تشتيت الشمل والكلمة، التفريق يعني: يطلق ويستعمل في لسان العرب وكذلك في الشرع، يقال في تشتيت الشمل والكلمة، نحو: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] ، وكذلك قوله تعالى: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه: 94] . وقوله: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ} ، {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] .

إنما جاز أن يجعل التفريق منسوبًا إلى أحدٍ من حيث إن لفظ أحد يفيد الجمع في النفي، يعني: أصل التفريق يكون بين شيئين فأكثر، أليس كذلك؟ فرَّق بين أمرين، إذًا لا يكون شيئًا واحدًا، وإنما يكون شيئين فأكثر، واستعمل {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ} ، والأحد مأخوذ من الواحد، نقول: هذا من جهة اللفظ، وإنما من جهة المعنى إذا وقع أحد في سياق النفي فحينئذٍٍ يعم، حينئذٍٍ حصل التفريق من جهة المعنى، إنما جاز أن يجعل التفريق منسوبًا إلى أحدٍ من حيث إن لفظ أحد يفيد الجمع في النفي، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} [الأنعام: 159] . وقرأ (فَارَقُوا) ، والفراق والمفارقة تكون بالأبدان أكثر، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} ، إذًا حصل التفريق في الدين، ولزم منه حصول المفارقة، ولذلك قرأت الآية: (إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا) . والفراق والمفارقة كما قال في المفردات تكون بالأبدان أكثر، وإذا حصلت حينئذٍٍ لزم منه حصول المفارقة في الأديان، {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] ، والاختلاف مر معناه فيما سبق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام