فهرس الكتاب
الصفحة 290 من 397

{وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ} يعني: بما بعده {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ} أي: وهم يعلمون أن ما أُنْزِلَ على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هو الحق يعلمون ذلك، {مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ} منصوبًا على الحال أي: في حال تصديقه لِمَا معهم من التوراة والإنجيل فالحجة قائمة عليهم في ذلك، وهذه الكتب التي أنزلها الله تعالى لا تناقض بينها ولا تعارض، فبعضها يصدق بعضًا، لأن الأصل في دعوة الله عز وجل الخلق إنما هي توحيده جل وعلا، وإفراده سبحانه بالعبادة، وترك عبادة من سواه، وهذه لا خلاف بين الرسل في هذا الأصل كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتََ} [النحل: 36] ، إذًا لا خلاف حينئذٍ القرآن مصدق للتوراة، والتوراة مصدقٌ للقرآن، والإنجيل مصدقٌ للتوراة، والتوراة كذلك مصدقة للإنجيل، لكن التي هي قبل التحريف حينئذٍ لا خلاف بين الأنبياء والرسل في كونهم اجتمعوا على كلمةٍ واحدة وهي لا إله إلا الله، وأما الشرائع والصلاة والصيام ونحوها فهذا يقع فيها خلاف الأمر فيها سهلٌ، ثم قال تعالى: ... {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} لَمَّا ادَّعَوا أنهم آمنوا بما أنزل عليهم، وهل أنزل الله تعالى قتل الأنبياء وتكذيب الأنبياء وإيذاء الأنبياء، وقد فعلوا ذلك؟ الجواب: لا، إذًا لم يعملوا بما عندهم من التوراة، {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي: إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أُنْزِل إليكم فَلِمَ قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها، وأنتم تعلمون صدقهم، قتلتموهم بغيًا وعنادًا واستكبارًا على رُسُلِ الله، ولستم تتبعون إلى مجرد الأهواء والآراء والتشهي، وليس ثَمّ إتباعًا لما أنزل الله تعالى، وكما قال ابن جرير رحمه الله تعالى: (وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} وتعيِير لهم، فلو كانوا صادقين في دعواهم لآمنوا بكل ما جاء من عند الله لأنهم مأمورون بذلك في كتابهم، فلما كفروا ببعض الكتب وقتلوا الأنبياء علمنا أنهم لم يعمل بما أنزل عليهم، {وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} ... [البقرة: 92] هل يأمر الله تعالى باتخاذ العجل؟ الجواب: لا، إذًا كيف اتخذتم العجل وأنتم تدعون أنكم آمنتم بما أنزل عليكم؟ فلم يأتِ موسى بالشرك بل بالتوحيد الخالص ومع ذلك وقعوا في الشرك الأكبر، وقوله: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} أي: معبودًا من دون الله تعالى في زمان موسى وأيامه، وقال تعالى فيهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87] تكذيب الرسل ليس مما أنزله الله تعالى، وكذلك قتل الرسل ليس مما أنزله

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام