شيطانية،وليس لها امتداد أو دوام! وهو المحور الذي تشد إليه جميع خيوط الحياة الرفيعة.وإلا فهي مفلتة لا تمسك بشيء،ذاهبة بددا مع الأهواء والنزوات ..
وهو المنهج الذي يضم شتات الأعمال،ويردها إلى نظام تتناسق معه وتتعاون،وتنسلك في طريق واحد،وفي حركة واحدة،لها دافع معلوم،ولها هدف مرسوم ..
ومن ثم يهدر القرآن قيمة كل عمل لا يرجع إلى هذا الأصل،ولا يشد إلى هذا المحور،ولا ينبع من هذا المنهج.والنظرية الإسلامية صريحة في هذا كل الصراحة ..جاء في سورة إبراهيم: «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ.لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ» ..وجاء في سورة النور: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً،حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً» ..وهي نصوص صريحة في إهدار قيمة العمل كله،ما لم يستند إلى الإيمان،الذي يجعل له دافعا موصولا بمصدر الوجود،وهدفا متناسقا مع غاية الوجود.وهذه هي النظرة المنطقية لعقيدة ترد الأمور كلها إلى اللّه.فمن انقطع عنه فقد انقطع وفقد حقيقة معناه.
إن الإيمان دليل على صحة الفطرة وسلامة التكوين الإنساني،وتناسقه مع فطرة الكون كله،ودليل التجاوب بين الإنسان والكون من حوله.فهو يعيش في هذا الكون،وحين يصح كيانه لا بد أن يقع بينه وبين هذا الكون تجاوب.ولا بد أن ينتهي هذا التجاوب إلى الإيمان،بحكم ما في الكون ذاته من دلائل وإيحاءات عن القدرة المطلقة التي أبدعته على هذا النسق.فإذا فقد هذا التجاوب أو تعطل،كان هذا بذاته دليلا على خلل ونقص في الجهاز الذي يتلقى،وهو هذا الكيان الإنساني.وكان هذا دليل فساد لا يكون معه إلا الخسران.ولا يصح معه عمل ولو كان في ظاهره مسحة من الصلاح.
وإن عالم المؤمن من السعة والشمول والامتداد والارتفاع والجمال والسعادة بحيث تبدو إلى جانبه عوالم غير المؤمنين صغيرة ضئيلة هابطة هزيلة شائهة شقية ..خاسرة أي خسران! والعمل الصالح وهو الثمرة الطبيعية للإيمان،والحركة الذاتية التي تبدأ في ذات اللحظة التي تستقر فيها حقيقة الإيمان في القلب.فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة.ما إن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح ..هذا