فهرس الكتاب
الصفحة 68 من 188

لقد كان هذا الدين يعد البشرية للرشد العقلي،ويؤهلها لاستخدام هذه الأداة العظيمة التي وهبها اللّه للإنسان استخداما كاملا في إدراك الحق الذي تنبث آياته في صفحات الوجود،وفي أطوار الحياة،وفي أسرار الخلق والذي جاء هذا القرآن لكشفه وتجليته وتوجيه الإدراك البشري إليه ..

وكان هذا كله يقتضي الانتقال بالبشرية من عهد الخوارق الحسية التي تلوي الأعناق وتجبر المنكرين على الإذعان،أمام القهر بالخارقة المادية البادية للعيان! إلى توجيه الإدراك البشري لملاحظة بدائع الصنعة الإلهية في الوجود كله.وهي في ذاتها خوارق معجزة ..ولكنها خوارق دائمة يقوم عليها كيان الوجود،ويتألف منها قوامه.وإلى مخاطبة هذا الإدراك بكتاب من عند اللّه باهر،معجز في تعبيره ومعجز في منهجه،ومعجز في الكيان الاجتماعي العضوي الحركي الذي يرمي إلى إنشائه على غير مثال.والذي لم يلحق به من بعده أي مثال! وقد اقتضى هذا الأمر تربية طويلة،وتوجيها طويلا،حتى يألف الإدراك البشري هذا اللون من النقلة،وهذا المدى من الرقي وحتى يتجه الإنسان إلى قراءة سفر الوجود بإدراكه البشري،في ظل التوجيه الرباني،والضبط القرآني،والتربية النبوية ..قراءة هذا السفر قراءة غيبية واقعية إيجابية في آن واحد،بعيدة عن منهج التصورات الذهنية التجريدية التي كانت سائدة في قسم من الفلسفة الإغريقية واللاهوت المسيحي وعن منهج التصورات الحسية المادية التي كانت سائدة في قسم من تلك الفلسفة وفي بعض الفلسفة الهندية والمصرية والبوذية والمجوسية كذلك،مع الخروج من الحسية الساذجة التي كانت سائدة في العقائد الجاهلية العربية! وجانب من تلك التربية وهذا التوجيه يتمثل في بيان وظيفة الرسول،وحقيقة دوره في الرسالة على النحو الذي تعرضه هاتان الآيتان - كما ستعرضه الموجة التالية في سياق السورة - فالرسول بشر،يرسله اللّه ليبشر وينذر،وهنا تنتهي وظيفته،وتبدأ استجابة البشر،ويمضي قدر اللّه ومشيئته من خلال هذه الاستجابة،وينتهي الأمر بالجزاء الإلهي وفق هذه الاستجابة ..فمن آمن وعمل صالحا يتمثل فيه الإيمان،فلا خوف عليه مما سيأتي ولا هو يحزن على ما أسلف.فهناك المغفرة على ما أسلف،والثواب على ما أصلح ..

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام