والذي يريد الآخرة لا بد أن يسعى لها سعيها،فيؤدي تكاليفها،وينهض بتبعاتها،ويقيم سعيه لها على الإيمان.وليس الإيمان بالتمني،ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.والسعي للآخرة لا يحرم المرء من لذائذ الدنيا الطيبة،إنما يمد بالبصر إلى آفاق أعلى فلا يكون المتاع في الأرض هو الهدف والغاية.ولا ضير بعد ذلك من المتاع حين يملك الإنسان نفسه،فلا يكون عبدا لهذا المتاع.
وإذا كان الذي يريد العاجلة ينتهي إلى جهنم مذموما مدحورا،فالذي يريد الآخرة ويسعى لها سعيها ينتهي إليها مشكورا يتلقى التكريم في الملأ الأعلى جزاء السعي الكريم لهدف كريم،وجزاء التطلع إلى الأفق البعيد الوضيء.
إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام والوحوش والأنعام.فأما الحياة للآخرة فهي الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على اللّه،الذي خلقه فسواه،وأودع روحه ذلك السر الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه. [1]
وأما إذا فقدَ العملُ الإيمانَ،فلو استغرق العاملُ ليلهُ ونهاره فإنه غير مقبول ٍ قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) [الفرقان:23]
فهَؤُلاءِ المُجْرِمُونَ عَمِلُوا فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا أَعْمَالاً ظَنُّوهَا حَسَنَةً مُفِيدَةً:كَصِلَةِ الأَرْحَامِ،وَإِغَاثَةِ المَلْهُوفِ،والمَنِّ عَلَى الأًَسِيرِ..مِمَّا لَوْ كَانُوا عَملُوهُ مَعَ الإِيْمَانِ لَنَالُوا ثَوَابَهُ،فَعَمَدَ اللهُ تَعَالَى إٍِلى مَحَاسِنِ أَعْمَالِهِمْ هَذِهِ فًَجَلَهَا كَالهَبَاءِ المَنْثُورِ الذي لاَ يُفْيدُ ولا يَجْمَعُ [2] .
إنها أسستْ على غير الإيمان ِبالله ورسوله- الذي روحه:الإخلاصُ للمعبودِ،والمتابعةُ للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2218)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2760)