وأما الجعل الديني: كقوله:"مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَسَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَحَامٍ" (المائدة، آية: 103) أي: ما شرع ذلك ولا أمر به، وإلا فهو مخلوق له، واقع بقدره ومشيئته، وأما قوله:"جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ" (المائدة، آية: 97) .
فهذا يتناول الجعلين، فإنها جعلها كذلك بقدره وشرعه وليس هذا استعمالاً للمشترك في معنييه، بل إطلاق اللفظ وإرادة القدر المشترك بين معنييه فتأمله. [1]
وأما الكلمات الكونية: كقوله:"كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ" (يونس، آية: 33) .
وقوله:"وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ" (الأعراف، آية: 137) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق [2] . فهذه كلماته الكونية التي يخلق بها ويكون، ولو كانت الكلمات الدينية التي يأمر بها وينهى لكانت مما يجاوزهن الفجار والكفار.
وأما الديني: كقوله:"وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ" (التوبة، آية: 6) والمراد به القرآن وقوله صلى الله عليه وسلم في النساء: واستحللتم فروجهن بكلمة الله [3] ، أي: إباحته ودينه، وقوله:"فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء" (النساء، آية: 3) .
وقد اجتمع النوعان في قوله:"وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ" (التحريم، آية: 12) . فكتبه كلماته التي يأمر بها، وينهي ويحل ويحرم، وكلماته التي يخلق بها ويكون.
وأما البعث الكوني: كقوله:"فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" (الإسراء، آية: 5) .
(1) الجامع الصحيح في القدر صـ 134.
(2) المصدر نفسه صـ 134.
(3) المصدر نفسه صـ 134.