وقال تعالى:"وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا" (الإسراء، آية: 16) ، فهذا أمر تقدير كوني، لا أمر ديني شرعي، فإن الله لا يأمر بالفحشاء، والمعنى: قضينا ذلك وقدرناه وقالت طائفة: بل هو أمر ديني، والمعنى: أمرناهم بالطاعة فخالفونا وفسقوا، والقول الأول أرجح [1] .
والأمر الديني: قوله:"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" (النحل، آية: 90) .
وقوله:"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ كُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" (النساء، آية: 58) . وهو كثير [2] .
وأما الإذن الكوني: كقوله تعالى:"وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ" (البقرة، آية: 102) ، أي: بمشيئته وقدره، وأما الديني، كقوله:"مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْتَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ" (الحشر، آية: 5) أي: بأمره ورضاه.
وقوله:"قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ" (يونس، آية: 59) .
وقوله:"أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ" (الشورى، آية: 21) .
وأما الجعل الكوني: كقوله:"إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا" (يس، آية: 8 ـ 9) .
وقوله:"وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ" (يونس، آية: 100) .
وقوله:"وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا" (النحل، آية: 72) وهو كثير.
(1) المصدر نفسه.
(2) المصدر نفسه صـ 133 نقلاً عن شفاء العليل لابن القيم.