فهرس الكتاب
الصفحة 18 من 33

المبحث الثالث

قائد المعركة في الصراع الدائر بين عالم الشياطين وعالم البشر

إبليس هو الذي يخطط للمعركة مع بني الإنسان ويقودها ، ومن قاعدته يرسل البعوث والسرايا في الاتجاهات المختلفة ، ويعقد مجالس يناقش جنوده وجيوشه فيما صنعوه ، ويثني على الذين أحسنوا وأجادوا في الإضلال وفتنة الناس .

روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا ، فيقولُ: ما صنعت شيئاً . قال: ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنو منه ، ويقول: نعم أنت ) (1) .

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لابن صائد وقد لقيه في بعض طرق المدينة ؛ ( وكان يشك صلى الله عليه وسلم أنّه الدجال ) : ( ما ترى ) ؟ قال: أرى عرشاً على الماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ترى عرش إبليس على البحر ) (2) .والشيطان له خبرة طويلة مديدة في مجال الإضلال ، ولذلك فإنّه يجيد وضع خططه ، ونصب مصايده وأحابيله ، فهو لم يزل حيّاً يضل الناس منذ وجد الإنسان إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة: ( قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون - قال فإنَّك من المنظرين - إلى يوم الوقت المعلوم ) [ الحجر: 36-38 ] .

وهو دؤوب على القيام بالشر الذي نذر نفسه له ، لا يكل ولا يمل ، ففي الحديث: ( إن الشيطان قال: وعزتك وجلالك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ) . رواه أحمد والحاكم بإسناد حسن (3) .

جنود الشيطان من الجن والإنس:

والشيطان له فريقان من الجنود: فريق من الجان ، وفريق من بني الإنسان .

وقد سبق ذكر حديث إرساله سراياه من الشياطين لإضلال الناس ، وفي القرآن: ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ... ) [الإسراء:64] فله جنود يهاجمون راكبين راجلين ، يرسلهم على العباد ، يحركونهم إلى الشر تحريكاً: ( ألم تر أنَّا أرسلنا الشَّياطين على الكافرين توزُّهم أزّاً ) [ مريم: 83 ] .

لكل إنسان قرين:

وكل إنسان له شيطان يلازمه لا يفارقه ، كما في حديث عائشة عند مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً ، قالت: فغرت عليه ، فجاء ، فرأى ما أصنع ، فقال: ( ما لك يا عائشة ؟ أغرت ؟ ) فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( أقد جاءك شيطانك ) . قالت: يا رسول الله ، أو معي شيطان ؟ قال: ( نعم ) ، قلت: ومع كل إنسان ؟ قال: ( نعم ) ، قلت: ومعك يا رسول الله ؟ قال: ( نعم ، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم ) (4) .

وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وقد وُكّلَ به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة ) ، قالوا: وإياك يا رسول الله ؟ قال: ( وإياي ، إلا أنّ الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير ) (5) .

وفي القرآن: ( ومن يعش عن ذكر الرَّحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرينٌ ) [ الزخرف: 36 ] ، وفي الآية الأخرى: ( وقيَّضنا لهم قرناء فزيَّنوا لهم مَّا بين أيديهم وما خلفهم ) [ فصلت: 25 ] .

وللشيطان أتباع من الإنس اتخذوه وليّاً ، يسيرون على خطاه ، ويرضون بفكره ، مع أنه العدو الأول الذي يسعى في إهلاكهم ، وقبيح بالإنسان العاقل أن يتخذ عدوه وليّاً: ( أفتتخذونه وذريَّته أولياء من دوني وهم لكم عدوٌّ بئس للظَّالمين بدلاً ) [الكهف: 50] .

ولقد خسروا باتخاذه ولياً خسراناً مبيناً: ( ومن يتَّخذ الشَّيطان وليّاً من دون الله فقد خسر خسراناً مُّبيناً ) [ النساء: 119 ] . خسروا لأن الشيطان سيدسّي نفوسهم ويفسدها ، ويحرمهم من نعمة الهداية ، ويرمي بهم في الضلالات والشبهات: ( والَّذين كفروا أولياؤهم الطَّاغوت يخرجونهم من النُّور إلى الظُّلمات أولئك أصحاب النَّار هم فيها خالدون ) [ البقرة: 257 ] ، وخسروا لأنه سيقودهم إلى النار: ( إنَّما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السَّعير ) [ فاطر: 6 ] ، وهؤلاء أولياء الشيطان يتخذهم الشيطان مطية وجنوداً ، ينفذ بهم مخططاته وأهدافه .

كيده وخذلانه لأوليائه:

يتولى كثير من الناس الشيطان ، ولكنه يكيد لهم ويوردهم الموارد التي فيها هلاكهم وعطبهم ، ويتخلى عنهم ، ويسلمهم ، ويقف يشمت بهم ، ويضحك منهم ، فيأمرهم بالقتل والسرقة والزنا ، ويدلُّ عليهم ، ويفضحهم ، فعل ذلك بالمشركين في معركة بدر ، عندما جاءَهم متمثلاً في صورة سراقة بن مالك ، ووعدهم بالنصر والغلب: ( وقال لا غالب لكم اليوم من النَّاس وإني جارٌ لَّكم ) [ الأنفال: 48 ] ، فلما رأى عدو الله الملائكة نزلت لنصرة المؤمنين ، ولى هارباً وأسلمهم ، كما قال حسان بن ثابت:

دلاهم بغُرُور ثمّ أسلمهم ××× إن الخبيث لمن والاه غرارُ

وكذلك فعل بالراهب الذي قتل المرأة وولدها ، فإنه أمره بالزنا ، ثمّ بقتلها ، ثمّ دلّ أهلها عليه ، وكشف أمره لهم ، ثمّ أمره بالسجود له ، فلما فعل فرّ عنه وتركه ، كما سيأتي بيانه .

وفي يوم القيامة يقول لأوليائه بعد دخوله ودخولهم النار: ( إِنِّي كفرت بما أشركتمون من قبل ) [ إبراهيم: 22 ] ، فأوردهم شرّ الموارد ، ثمّ تبرأ منهم كل البراءةَ .

وستأتي قصة ذلك يدّعي أنّه عالم روحاني ، وكيف تخلت عنه الشياطين بعد أن بلغ مبلغاً كبيراً من الشهرة ، فأصبح حائراً لا يدري ما يفعل .

الشيطان يجند أولياءَه لخدمته ومحاربة المؤمنين:

الناس فريقان: أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان . وأولياء الشيطان هم الكَفَرَة على اختلاف مللهم ونحلهم: ( إنَّا جعلنا الشَّياطين أولياء للَّذين لا يؤمنون ) [الأعراف:27] .

والشيطان يسخّر هؤلاء لتضليل المؤمنين بما يلقونه من الشبه: ( وإنَّ الشَّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنَّكم لمشركون ) [ الأنعام: 121 ]

وما هذه الشبهات التي يقوم بها المستشرقون والصليبيون واليهود والملحدون إلا من هذا القبيل .

ويدفع الشيطان أولياءَه لإيذاء نفوس المؤمنين: ( إنَّما النَّجوى من الشَّيطان ليحزن الَّذين آمنوا ) [ المجادلة: 10 ] . فقد كان يدفع المشركين للتناجي حين وجود المسلمين على مقربة منهم ، فيظن المسلم أنه يتآمرون عليه ...

بل يدفعهم إلى حرب المسلمين وقتالهم: ( الَّذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والَّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشَّيطان إنَّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً ) [النساء: 76] .

وهو دائماً يخوف المؤمنين أولياءَه: ( إنَّما ذلكم الشَّيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مُّؤمنين ) [ آل عمران: 175 ] ، وأولياؤه جمع كبير: ( ولقد صدَّق عليهم إبليس ظنَّه فاتَّبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين ) [ سبأ: 20 ] .

(1) رواه مسلم: 4/2167 . ورقمه: 2814 .

(2) صحيح مسلم: 4/2241 . ورقمه: 2025 .

(3) صحيح الجامع الصغير: 2/72 .

(4) رواه مسلم: 4/2168 . ورقمه: 2815 .

(5) رواه مسلم: 4/2168 ، ورقمه: 2814 .

.ــــــــــــ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام