بما أنهم مكلفون فلا بدّ أن يبلغهم الله وحيه ، ويقيم عليهم الحجة ، فكيف حصل ذلك ؟ هل لهم رسل منهم ، كما للبشر رسل منهم ، أم أن رسلهم هم رسل البشر ؟
إن قوله: ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم ) [ الأنعام: 130 ] يدلّ على أن الله أرسل إليهم رسلاً ، ولكنها لم تصرح بأن هؤلاء الرسل من الجن أو من الإنس ؛ لأن قوله: ( منكم ) يحتمل الأمرين ؛ فقد يكون المراد أن رسل كل جنس منهم ، وقد يراد أن رسل الإنس والجن من مجموعهما ، فيصدق على أحدهما وهم الإنس . وقد اختلف في ذلك على قولين:
الأول: أن للجن رسلاً منهم ، وممن قال بهذا القول الضحاك ، وقال ابن الجوزي: وهو ظاهر الكلام ، وقال ابن حزم:"لم يبعث إلى الجن نبي من الإنس ألبتّة قبل محمد صلى الله عليه وسلم".
الثاني: أن رسل الجن من الإنس: قال السيوطي:"جمهور العلماء ، سلفاً وخلفاً ، على أنه لم يكن من الجن قط رسول ولا نبي ، كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والكلبي وأبي عبيد" (1) .
ومما يرجح أن رسل الإنس هم رسل الجن قول الجن عند سماع القرآن: ( إنَّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى ) [ الأحقاف: 30 ] ، ولكنه ليس نصّاً في المسألة .
وهذه المسألة لا يبنى عليها عمل ، وليس فيها نص قاطع .
(1) لوامع الأنوار البهية: 2/223-224 ، وانظر لقط المرجان: 73 .
.ــــــــــــ