فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 33

المبحث الثاني

أهداف الشيطان

المطلب الأول

الهدف البعيد

هناك هدف وحيد يسعى الشيطان لتحقيقه في نهاية الأمر ، هو أن يلقي الإنسان في الجحيم ، ويحرمه من الجنّة ، ( إنَّما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السَّعير ) [ فاطر: 6 ] .

المطلب الثاني

الأهداف القريبة

ذلك هو هدف الشيطان البعيد ، أما أهدافه القريبة فإنها كثيرة منها:

1-إيقاع العباد في الشرك والكفر:

وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله ، والكفر بالله وبشريعته: ( كمثل الشَّيطان إذ قال للإنس اكْفُرْ فلمَّا قال إني بريءٌ منك ) [ الحشر: 16 ] .

وروى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم ، فقال في خطبته: ( يا أيها الناس ، إن الله أمرني أن أعلمكم ما جهلتهم مما علمني يومي هذا ، كل مال نحلته عبداً حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ) (1) .

2-إيقاعهم في الذنوب والمعاصي:

فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفر ، فإنه لا ييأس ، ويرضى بما دون ذلك من إيقاعهم في الذنوب والمعاصي ، وغرس العداوة والبغضاء في صفوفهم ، ففي سنن الترمذي: ( ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلادكم هذه أبداً ، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم ، فسيرضى به ) (2) .

وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم ) (3) ؛ أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم ، وإغراء بعضهم ببعض ، كما قال تعالى: ( إنَّما يريد الشَّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدَّكم عن ذكر الله وعن الصَّلاة فهل أنتم منتهون ) [ المائدة: 91 ] .

وهو يأمر بكل شر: ( إنَّما يأمركم بالسُّوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ البقرة: 169 ] .

وخلاصة الأمر: أن كل عبادة محبوبة لله بغيضة إلى الشيطان ، وكل معصية مكروهة للرحمن محبوبة للشيطان .

3-إيقاعهم في البدعة:

وهي أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي ؛ لأن ضررها في الدين ، قال سفيان الثوري:"البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ لأن المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها" (4) .

4-صدّه العباد عن طاعة الله:

وهو لا يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي ، بل يصدهم عن فعل الخير ، فلا يترك سبيلاً من سبل الخير ، يسلكه عبد من عباد الله إلا قعد فيه ، يصدّهم ويميل بهم ، فعن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك ؟! فعصاه ، فأسلم .

ثم قعد له بطريق الهجرة ، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك ؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول (5) . فعصاه ، فهاجر .

ثم قعد له بطريق الجهاد ، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال ، فتقاتل فتقتل ، فتنكح المرأة ويقسم المال ؟! فعصاه ، فجاهد .

فمن فعل ذلك ، كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة ، ومن قتل ، كان حقّاًَ على الله أن يدخله الجنّة ، وإن غرق ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابته ، كان حقّاً على الله أن يدخله الجنة ) (6) .

ومصداق ذلك في كتاب الله ما حكاه الله عن الشيطان أنه قال لرب العزة: ( قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم - ثُمَّ لآتِيَنَّهُم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شَمَآئِلِهِمْ ولا تجد أكثرهم شاكرين ) [ الأعراف: 16-17 ] .

وقوله: ( لأقعدنَّ لهم صراطك ) أي: على صراطك ، فهو منصوب بنزع الخافض ، أو هو منصوب بفعل مضمر ، أي: لألزمنّ صراطك ، أو لأرصدَنّه ، أو لأعوجنه .

وعبارات السف في تفسير الصراط متقاربة ، فقد فسر ابن عباس: بأنه الدين الواضح ، وابن مسعود: بأنه كتاب الله ، وقال جابر: هو الإسلام ، وقال مجاهد: هو الحق .

فالشيطان لا يدع سبيلاً من سبل الخير إلا قعد فيه يصد الناس عنه .

5-إفساد الطاعات:

إذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات ، فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة ، كي يحرمهم الأجر والثواب ، ومن ذلك أن الصحابي عثمان بن أبي العاص أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي ، يَلبِسها عليّ".

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذلك شيطان يقال له: خِنْزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل على يسارك ثلاثاً ) . قال: ففعلت ذلك ، فأذهبه الله عني" (7) ."

فإذا دخل العبد صلاته أجلب عليه الشيطان يوسوس له ، ويشغله عن طاعة الله ، ويذكِره بأمور الدنيا ؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي النداء أقبل ، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر ، حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ) (8) .

دفع الشيطان الإنسان للمرور بين يدي المصلي:

عن أبي صالح السمّان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يستُرهُ من الناس ، فأراد شابٌّ من بني أبي مُعيط أن يجتاز بين يديه ، فدفع أبو سعيد في صدره ، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديه ، فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى ، فنال من أبي سعيد ، ثم دخل مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان ، فقال: مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد ؟ قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستُرهُ من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه ، فإن أبى ، فليقاتله ، فإنما هو شيطان ) (9) .

والمراد بقوله: ( فإنما هو شيطان ) ؛ أي فعله فعل شيطان كما يقول ابن حجر العسقلاني .

إلا أن ابن حجر ذكر احتمالاً آخر أصح من الأول ، فإنه قال: ( ويحتمل أن يكون المعنى: فإنما الحامل على ذلك الشيطان ، وقد وقع في رواية الإسماعيلي:( فإن معه الشيطان ) ، ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ: ( فإن معه القرين ) (10) .

كل مخالفة للرحمن فهي طاعة للشيطان:

يقول تعالى: ( إن يدعون من دونه إلاَّ إناثاً وإن يدعون إلاَّ شَّيطاناً مَّريداً - لَّعنة الله وقال لأتَّخذنَّ من عبادك نصيباً مَّفروضاً ) [ النساء: 117-118 ] . فكل من عبد غير الله من صنم أو وثن ، أو شمس وقمر ، أو هوى ، أو إنسان ، أو مبدأ ، فهو عابد للشيطان ، رضي أم أبى ؛ لأن الشيطان هو الآمر بذلك والمرغب فيه ، ولذلك فإن عبّاد الملائكة يعبدون الشيطان في الحقيقة: ( ويوم يحشرهم جميعاً ثمَّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون - قالوا سبحانك أنت وليُّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنَّ أكثرهم بهم مُّؤمنون ) [ سبأ: 40-41 ] . يعني أن الملائكة لم تأمرهم بذلك ، وإنما أمرتهم بذلك الجن ، ليكونوا عابدين للشياطين الذين يتمثلون لهم ، كما يكون للأصنام شياطين .

الخلاصة:

والشيء الذي نخلص إليه أن الشيطان يأمر بكل شرّ ، ويحث عليه ، وينهى عن كلّ خير ، ويخوف منه ؛ كي يرتكب الأول ، ويترك الثاني .

كما قال تعالى: ( الشَّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مَّغفرةً منه وفضلاً ) [ البقرة: 268 ] . وتخويفه إيانا الفقر بأن يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم ، والفحشاء التي يأمرنا بها: هي كل فعلة فاحشة خبيثة من البخل والزنا وغير ذلك .

6-الإيذاء البدني والنفسي:

كما يهدف الشيطان إلى إضلال الإنسان بالكفر والذنوب ، فإنه يهدف إلى إيذاء المسلم في بدنه ونفسه ، ونحن نسوق بعض ما نعرفه من هذا الإيذاء:

أ- مهاجمة الرسول صلى الله عليه وسلم:

ذكرنا في غير هذا الموضع الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بمهاجمة الشيطان له ، ومجيء الشيطان بشهاب من نار ليرميه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم .

ب- الحلم من الشيطان:

للشيطان قدرة على أن يرى الإنسان في منامه أحلاماً تزعجه وتضايقه ، بهدف إحزانه وإيلامه .

فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: أن الرؤى التي يراها المرء في منامه ثلاثة أنواع ، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الرؤيا ثلاث: فبشرى ، من الرحمن ، وحديث نفس ، وتخويف من الشيطان ) .

وفي رواية عن عوف بن مالك: ( إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ؛ ليحزن بها ابن آدم ) (11) .

وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها ، فإنما هي من الله ، فليحمد الله عليها ، وليحدّث بها ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره ، فإنما هي من الشيطان ، فليستعذ من شرها ، ولا يذكرها لأحد ، فإنها لا تضره ) (12) .

ج- إحراق المنازل بالنار:

وذلك بوساطة بعض الحيوانات التي يغريها بذلك ، ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا نمتم فأطفئوا سُرُجكم ، فإن الشيطان يدلّ مثل هذه( الفأرة ) على هذا ( السراج ) فيحرقكم ) (13) .

د- تخبط الشيطان الإنسان عند الموت:

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول: ( اللهم إني أعوذ بك من التردي ، والهدم ، والغرق ، والحريق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً ، وأعوذ بك أن أموت لديغاً ) (14) .

هـ- إيذاؤه الوليد حين يولد:

في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كلّ بني آدم يمسّه الشيطان يوم ولدته أمّه إلا مريم وابنها ) (15) .

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن ، فطعن الحجاب ) (16) .

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخاً من مس الشيطان ، غير مريم وابنها ) (17) .

والسبب في حماية مريم وابنها من الشيطان استجابة الله دعاء أم مريم حين ولدتها: ( وإنَّي أعيذها بك وذريتها من الشَّيطان الرَّجيم ) [ آل عمران: 36 ] . ولذا فإن أبا هريرة قرأ هذه الآية بعد روايته للحديث السابق (18) .

فلما كانت أم مريم - عليها السلام - صادقة في طلبها استجاب الله لها ، فأجار مريم وابنها من الشيطان الرجيم .

وممن أجاره الله أيضاً عمار بن ياسر ، ففي صحيح البخاري: أن أبا الدرداء سأل علقمة ، وكان من أهل الكوفة ، فقال:"أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ؟"قال المغيرة:"الذي أجاره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم يعني عماراً" (19) .

و- مرض الطاعون من الجن:

أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ( فناء أمته بالطعن والطاعون ؛ وخز أعدائكم من الجنّ ، وفي كلّ شهادة ) (20) ، وفي مستدرك الحاكم: ( الطاعون وخز أعدائكم من الجن ، وهو لكم شهادة ) (21) .

وما أصاب نبي الله أيوب كان بسبب الجن كما قال تعالى: ( واذكر عبدنا أيُّوب إذ نادى ربه أنَّي مَسَّنِيَ الشَّيطان بنصبٍ وعذابٍ ) [ ص: 41 ] .

ز- بعض الأمراض الأخرى:

قال صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة ، وهي حمنة بنت جحش: ( إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان ) (22) .

ح- مشاركته لبني آدم في طعامهم وشرابهم ومسكنهم:

ومن الأذى الذي يجلبه الشيطان للإنسان أن يعتدي على طعامه وشرابه فيشركه فيهما ، ويشركه في المبيت في منزله ، ويكون ذلك منه إذا خالف العبد هدي الرحمن ، أو غفل عن ذكر الله ، أمّا إذا كان ملتزماً بالهدى الذي هدانا الله إليه ، لا يغفل عن ذكر الله ، فإن الشيطان لا يجد سبيلاً إلى أموالنا وبيوتنا .

فالشيطان لا يستحل الطعام إلا إذا تناول منه أحد بدون أن يُسَمّي ، فإذا ذكر اسم الله عليه ، فإنّه يحرم على الشيطان ، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة ، قال:"كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيضع يده ، وإنّا حضرنا معه مرة طعاماً ، فجاءَت جارية كأنها تدفع ، فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع ، فأخذ بيده".

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحلّ بها ، فأخذت بيدها ، فجاء بهذا الأعرابي ليستحلّ به ، فأخذت بيده ، والذي نفسي بيدي إن يده في يدي مع يدها ) (23) .

وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحفظ أموالنا من الشيطان وذلك بإغلاق الأبواب ، وتخمير الآنية ، وذكر اسم الله ؛ فإن ذلك حرز لها من الشيطان ، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أغلقوا الأبواب ، واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً ، وأوكوا قربكم ، واذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم ، واذكروا اسم الله ، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً ، وأطفئوا مصابيحكم ) (24) .

ويشرب الشيطان مع الإنسان إذا شرب واقفاً ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً ، فقال له: ( قِهْ ) ، قال: لمه ؟ قال: ( أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ ) قال: لا ، قال: ( فإنه قد شرب معك من هو شرّ منه الشيطان ) (25) .وكي تطرد الشياطين من المنزل لا تنس أن تذكر اسم الله عند دخول المنزل ، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك ، حيث يقول: ( إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإن دخل ، فلم يذكر الله عند دخوله ، قال الشيطان: أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر الله عند طعامه ، قال: أدركتم المبيت والعشاء ) (26) .

ط- مس الشيطان للإنسان ( الصرع ) :

يقول ابن تيمية (27) :"دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة ، قال الله تعالى: ( الَّذين يأكلون الرِّبَا لا يقومون إلاَّ كما يقوم الَّذي يتخبَّطه الشَّيطان من الْمَسِّ ) [ البقرة: 275 ] ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) (28) ."

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل:"قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع ، فقال: يا بني يكذبون ، هذا يتكلم على لسانه"

يقول ابن تيمية:"هذا الذي قاله مشهور ، فإنّه يصرع الرجل ، فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويُضْرب على بدنه ضرباً عظيماً ، لو ضرب به جمل ، لأثر به أثراً عظيماً ، والمصروع مع هذا لا يحس الضرب ، ولا بالكلام الذي يقوله ، وقد يُجَرّ المصروعُ ، وغير المصروع ، ويجر البساط الذي يجلس عليه ، ويحول الآلات ... ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علماً ضرورياً ، بأن الناطق على لسان الإنس ، والمحرك لهذه الأجسام ، جنس آخر غير الإنسان".

ويقول رحمه الله"وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره ، ومن أنكر ذلك ، وادعى أن الشرع يكذب ذلك ، فقد كذب على الشرع ، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك".

وذكر أنّ ممن أنكر دخول الجن بدن المصروع طائفة من المعتزلة ، كالجبائي وأبي بكر الرازي (29) .

وسنحاول أن نلقي مزيداً من الضوء على هذا الموضوع فيما بعد .

(1) رواه مسلم: 4/2197 . ورقمه: 2865 .

(2) صحيح سنن الترمذي: 2/230 . ورقمه: 1753 .

(3) مشكاة المصابيح: 1/27 . ورقمه: 10 .

(4) غرائب وعجائب الجن ، للشبلي: ص 206 .

(5) الطول: الحبل الطويل ، يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره ، والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه ، ويرعى ولا يذهب لوجهه .

(6) صحيح سنن النسائي: 2/657 . ورقمه: 2937 .

(7) رواه مسلم: 4/1728 . ورقمه: 2203 .

(8) رواه البخاري: 2/84 . ورقمه: 608 . وانظر رقم: 1222 ، 1231 ، 1232 . ورواه مسلم: 1/291 . ورقمه: 389 .

(9) رواه البخاري: 1/582 . ورقمه: 509 .

(10) فتح الباري: 1/584 .

(11) رواهما ابن ماجة . انظر صحيح ابن ماجة: 1/340 . ورقمهما: 3154-3155 .

(12) رواه البخاري: 12/369 . ورقمه: 6958 .

(13) صحيح سنن أبي داود: 3/958 . ورقمه: 4369 .

(14) صحيح سنن النسائي: 3/1123 . ورقمه: 5104 .

(15) رواه مسلم: 4/1838 . ورقمه: 2366 .

(16) رواه البخاري: 6/337 . ورقمه: 3286 .

(17) رواه البخاري: 6/469 . ورقمه: 3431 .

(18) انظر صحيح البخاري: 6/469 . ورقمه: 3431 . وصحيح مسلم: 4/1838 . ورقمه: 2366 .

(19) صحيح البخاري: 6/337 . ورقمه: 3287 . وانظر أيضاً: 7/90 . ورقمه: 3742-3743 .

(20) صحيح الجامع الصغير: 4/90 . وانظر إرواء الغليل: 6/70 ، ورقمه: 1367 .

(21) راجع إرواء الغليل: 6/70 .

(22) صحيح سنن أبي داود: 1/56 . ورقمه: 267 ، وصحيح سنن النسائي: 1/40 ، ورقمه: 110 . ولفظ النسائي: ( إنما هي ركضة من الشيطان ) .

(23) رواه مسلم: 3/1597 . ورقمه: 217 .

(24) رواه مسلم: 3/1594 . ورقمه: 2012 .

(25) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج1 ، ورقم الحديث: 175 . وقال فيه الهيثمي: رواه أحمد والبزار ، ورجال أحمد ثقات . مجمع الزوائد: 3/79 .

(26) رواه مسلم: 3/1598 . ورقمه: 2018 .

(27) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 24/276 .

(28) صحيح البخاري: 6/336 . ورقمه: 3281 . ورواه مسلم: 4/1712 . ورقمه: 2175 .

(29) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 19/12 .

.ــــــــــــ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام