قال القرطبي: (ذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من يقوى على هذا؟ وشق عليهم، فأنزل الله عز وجل: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] ) .
فلابد من اعتبار مقتضى الطبيعة البشرية في المعصية، مع اعتبار حق الله المطلق في الطاعة.
وليس في اعتبار الطبيعة البشرية أي تأثير في الإيمان بحق الله المطلق، بل إن الإسلام يؤكد ويرسخ الإيمان بهذا الحق ابتداءً ..
فعندما يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الملائكة يظلون ساجدين لله منذ خلقهم، ثم يقولون يوم القيامة: (( سبحانك .. ما عبدناك حق عبادتك ) ) [1] فإن هذا يؤكد حق الله المطلق في العبادة، ويؤكد اعتبار حد الاستطاعة في القيام بحق الله المطلق.
وعندما يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن حملة العرش أربعة، لا قول لهم منذ خلقهم الله إلا الذِّكر: (اثنان يقولان: سبحانك على حلمك بعد علمك .. واثنان يقولان: سبحانك على عفوك بعد قدرتك) فإن هذا يؤكد حق الله المطلق في الذِّكر.
ولذلك جاء بعد تقرير وحدانية الله .. الأمر بالاستغفار: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} [محمد: 19] ..
كما جاء في دعاء سيد الاستغفار: (( اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) ) [2] .
ومن هنا كان الاستغفار والتوبة هما اللذان يؤكدان حق الله على الناس، رغم ضعفهم وعجزهم عن استيفاء حق الله المطلق عليهم.
وفي حكم الظهار .. يجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حق الله واعتبار الاستطاعة البشرية بصورة معجزة: حَدَّثنا أبو سلمةَ ومُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحمَنِ؛ أنَّ سلمانَ بنَ صخرٍ الأنصاري، أحدَ بني بياضَةَ، جعلَ امرأتهُ عليهِ كظهرِ أمِّهِ حتىَّ يمضيَ رمضانُ. فلمَّا مضى نصفٌ من رمضانَ وقعَ عَليها ليلاً، فَأتى رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلكَ له، فقال لهُ رَسولُ اللَّهِ: (( أعتقْ رقبةً ) )قال: لا أجدُها، قال: (( فصمْ شهرينِ
(1) المستدرك (4502) .
(2) أخرجه البخاري (5831، 5848) .