وقوله: (وقتاله كفر) ، فإنما هو على أن يستبيح دمه، ولا يرى أن الإسلام قد عصمه منه وحرمه عليه، فيكون مرجع ذلك إلى اعتقاده أن الله عز وجل لم يحرم دماء المسلمين بغير حقها، ومن أنكر شيئاً من معاظم أمر الدين المجمع عليه، المستفيض في الخاص والعام عِلْمُه، كفر بذلك.
وقد يتأول هذا الحديث وما جاء في معناه من الأحاديث، على وجه التشبيه لأفعالهم بأفعال الكفار، من غير تحقيق للحكم فيه، ومن غير إلحاق لهم بأهل الكفر، إذا كان فاعله مضاهياً به فعل الكفار، لقوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) -أخرجه الشيخان في: (صحيحيهما) ، وأحمد، والنسائي، وابن ماجه عن جرير، ورواه أبو داود عن ابن عمر، والبخاري والنسائي عن أبي بكرة، والبخاري والترمذي عن ابن عباس-أي: لا تكونوا كالكفار الذين من شأنهم وعادتهم أن يضرب بعضهم رقاب بعض، وما يشبه ذلك قوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-: (كُفْرٌ بالله انْتِفاءٌ مِن نسبٍ وإن دَقَّ، وادِّعاءُ نسبٍ لا يُعرَفُ-رواه البزار عن أبي بكر-رضي الله عنه-وفيه مقال، وإن حاول السيوطي في:(الجامع الصغير) (2/ 152) تحسينه).
وهذا لا يوجب أن يكون مَن فَعَل ذلك كافراً به، خارجاً عن الملة، وإنما فيه مذمة هذا الفعل، وتشبيهه بالكفر على وجه التغليظ لفاعله ليجتنبه فلا يستحله، ومثله في الحديث كثير).
وإلى هذا أشرت بقولي:
27 -وَلاَ تُرَى الْحَسَنَاتُ الْبِيضُ [1] مُذْهِبَةً* كُفْرَ الْمُعَيَّنِ بِالتَّأْوِيلِ لَمْ يَقُمِ
بعد أن بيَّنَّا-بحمد الله وحسن توفيقه-موانع تكفير المعيَّن نشرع-الآن-في بيان لوازم تكفير المعين وشروطه وهي:
1 -انتفاء موانع التكفير الآنفة الذكر:
بحيث لا يكون كفره بسبب يعذر لأجله، كأن يكون جاهلاً، أو: متأوِّلاً، أو: مكرهاً وغير ذلك من الموانع التي تقدم الحديث عنها في الفصل السابق.
(1) -البيض: أي: العظيمةكشهود بدر.