فصل: في الفرق بين تكفير المطلق وتكفير المعين
وفي موانع تكفير المعين، وشروطه:
يفرق أهل السنة بين تكفير المطلق وتكفير المعين، ففي الأول يطلق القول بتكفير صاحبه-الذي تلبس بالكفر-فيقال: من قال كذا، أو: فعل كذا، فهو كافر، ولكن الشخص المعين الذي قالهأو: فعله، لا يحكم بكفره إطلاقاً حتى تجتمع فيه الشروط، وتنتفي عنه الموانع، فعندئذ تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.
وقد قال فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة-حفظه الله تعالى-في: كتابه القيم: (حَفنة در-مخطوط) (ص:63) :(اتفق أهل السنة والجماعة على أن موانع التكفير-أي: الحكم بالكفر وهو حكم شرعي-أربعة:
1 -الجهل،
2 -والخطأ،
3 -والتأويل لشبهة،
4 -والإكراه.
فلا بد من إقامة الحجة وزوال هذه الموانع حتى يصح الحكم بالكفر الأكبر وهو الخروج من الملة والردة عن الدين"الإسلامي"والعياذ بالله تعالى، وقد نظمتها ببيتين للحفظ فقلت مرتجزاً:
موانعُ التكفير-صاح-أربعهْ* الجهلُ، والخطا، وتأويلٌ معهْ
أعني بشبهة إذا قامت له* كذلك الإكراه أبدى فعله) [1] .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في: (مجموع الفتاوى) (الكيلانية) (12/ 466) -و (نواقض الإيمان القولية والعملية) (ص:52) : (وليس لأحد أن يكفر أحداً [2] من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له
(1) -كتبت في نسختي-التي عندي داخل زنزانتي الانفرادية بسجن تطوان-هذين البيتين:
فاحرص على ترويض نفس قد عصتْ* لا تحزنَنْ إذا النوايا أُخلصتْ
فالله قد غفر الذنوب لتائبِ **ما كان راجي ربه بالخائبِ).
(2) -والتعبير في قوله: (وليس لأحد أن يكفر أحداً) تعبير دقيق ورقيق جداً، ماذا نفهم منه؟ الجواب: نفهم منه الاحتياط التام في تكفير المسلم، لأن كلمة: (أحد) من أنكر النكرات، فكأن شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- يقول: (المسلم مهما أخطأ وغلط، ووقع في الكفر لا يقع الكفر عليه، حتى تقام عليه الحجة، وتُبيَّن له المحجة، وتزول عنه الشبهة، لأن من ثبت إسلامه بيقين، لا يمكن أن يزول عنه بمجرد خطأ غير مقصود، أو: بجهل ظنه علماً ومعرفة، ومعلوم أنه لا إثم قبل العلم، ولا تكليف قبل المعرفة، إذ كيف يُكلف الجاهل بالعلم، وهو جاهل، وفاقد الشيء لا يعطيه، وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن الجهل كالضرورة يقدَّر بقدره، أما من استطاع أن يرفع الجهل عن نفسه ولم يفعل فهذا له حكم آخر، هو آثم) .