فهرس الكتاب
الصفحة 316 من 344

الكلام، ضرباً من الاحتمال في تحقيق الأمر من أمور الكفر، أو: تشبيه له به، أو: تقريب في بعض معانيه، كان خارجاً عن هذا الحكم، ألست ترى أن عمر بن الخطاب-رضي الله تعالى عنه-لما قال لرسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-في أمر حاطب بن أبي بلتعة-رضي الله تعالى عنه-، حين كتب إلى قريش يخبرهم بشأن رسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، وبقصده إياهم:"دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق"، فلم يعنفه رسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-:"لا تقل ذلك، أليس قد شهد بدراً؟ وما يدريك؟ لعل الله (قد) اطلع على أهل بدر، فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم-هذا طرف من أحاديث متعددة، أخرج بعضها البخاري في: (صحيحه) باب: فضل من شهد بدراً".

فبرأه رسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-من النفاق، وعذر عمر فيما تناوله به من ذلك القول، إذ كان الفعل الذي جرى منه مضاهياً لأفعال المنافقين الذين كانوا يكيدون رسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، ويعاونون عليه كفار قريش.

وكذلك قصة معاذ بن جبل-رضي الله تعالى عنه-حين افتتح في صلاة العشاء بسورة البقرة، فخفف رجل صلاته خلفه لعذر كان له، فلما لقيه معاذ قال له:"نافقت"، فعذره رسول الله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-في ذلك بعد أن قال:"أَعُدْتَ فتَّاناً"، وأمره بتخفيف الصلاة إذا كان إماماً-أخرجه الإمام البخاري في: (صحيحه) من حديث جابر بن عبد الله-رضي الله تعالى عنهما-في كتاب الأذان، باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى.

وعلى هذا المعنى يتأول قول النبي-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-:"إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما-أخرجه البخاري في: (صحيحه) من حديث أبي هريرة-رضي الله تعالى عنه-تحت: باب: من كفر أخاه بغير تأويل".

وذلك إذا كان هذا القول منه خالياً من وجه يحتمله التأويل، فإنه لا يبقى حينئذ هناك شيء يعذر به فيحمل أمره على أنه رآه وهو مسلم كافراً، ورأى دين الإسلام وهو حق باطلاً، فلزمه الكفر لذلك، إذ لم يجد الكفر محلاً ممن قيل له ذلك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام