قال شيخ الإسلام في: (المجموع) (3/ 231) : (فهذا رجل شك في قدرة الله تعالى، وفي إعادته إذا ذُرِّيَ، بل: اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً، لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك) .
ثم ذكر قصة الرجل الذي قال لأبنائه: (إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين ... ) فقال:(فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو: شك، وأنه لا يبعثه.
وكل من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عند إيمان بالله وبأمره ونهيه، ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته.
فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل، فيغفر الله خطأه، أو: يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك فعظيم).
إلى أن قال: (وإذا كان تكفير المعيَّن على سبيل الشتم كقتله، فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟ فإن ذلك أعظم من قتله، إذ كل كافر يباح قتله، وليس كل من أبيح قتله يكون كافراً) .
وإنما اشترط أئمة السنة ذلك في التكفير والوعيد طلباً منهم للاحتياط الشديد والدقة البالغة في الحكم على المعين، وسعياً منهم إلى دفع كل الاحتمالات المتعارضة في حال المسلم المعين؛ وذلك أن المسلم المعين الواقع فيما يوجب الكفر أو: الوعيد تعارض في حقه أمران:
1 -الأول: وصف الإسلام الذي قام به، وهو وصف يوجب الرحمة ودفع العقوبة،
2 -والثاني: الوصف المخالف لأمر الشريعة، وهو وصف يوجب العقوبة والعذاب.
فلما تعارض عندهم هذان الأمران جاءوا بقضية شروط الوعيد وموانعه، وكذلك شروط التكفير وموانعه.