ثم قال: ولأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهداً مخطئاً مغفوراً له، أو: يمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم، وحسنات أوجبت له رحمة الله، كما غفر للذي قال:"إذا أنا مت فاسحقوني ثم ذرُّوني في الريح ثم غفر الله له لخشيته"-هذا جزء من حديث رواه أحمد (2/ 269) ، والبخاري رقم: (3481/ 7506) ، ومسلم رقم: (2756) ، وابن ماجه رقم: (4255) ، والنسائي (4/ 113) -وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته ... ).
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي-رحمه الله تعالى-في: (طريق الوُصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول-مختارات من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم) (ص:35/ 132 - من السبعينية) :(قد بيَّنَّا أن المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطئ في بعض الأمور العلمية الاعتقادية فيغفر له، كما يُغفر له ما يخطئ فيه من الأمور العلمية.
وأن حكم الوعيد على الكفر لا يثبت في حق الشخص المعين حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله، وأن الأمكنة والأزمنة التي تفتقرُ فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاء به خطأ: كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة).
قال شيخ الإسلام في: (المجموع) (11/ 187/188) : (ومن الناس من يؤمن بالرسل إيماناً مجملاً وَأَمَّا الإِيمَانُ الْمُفَصَّلُ فَيَكُونُ قَدْ بَلَغَهُ كَثِيرٌ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ بَعْضُ ذَلِكَ، فَيُؤْمِنُ بِمَا بَلَغَهُ عَنْ الرُّسُلِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَلَوْ بَلَغَهُ لآمَنَ بِهِ، وَلَكِنْ آمَنَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إيمَانًا مُجْمَلاً، فَهَذَا إذَا عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِهِ مَعَ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ وِلايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ وَمَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُ مَعْرِفَتَهُ وَالإِيمَانُ الْمُفَصَّلُ بِهِ فَلا يُعَذِّبُهُ عَلَى تَرْكِهِ، لَكِنْ يَفُوتُهُ مِنْ كَمَالِ وِلايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ عَلِمَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَآمَنَ بِهِ إيمَانًا مُفَصَّلاً وَعَمِلَ بِهِ فَهُوَ أَكْمَلُ إيمَاناً وَوِلاَيَةً لِلَّهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مُفَصَّلاً) .