فهرس الكتاب
الصفحة 99 من 161

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: (اسجد لصنم من أصنامنا مرة ونسمح لك حينئذ بأن تحكمنا بما شئت) ، هل كان سيقول: (أسجد أمام الصنم بنية أن سجودي هذا لله لا للصنم في مقابل هذه المصلحة العظيمة) ؟

إجابة عن هذا السؤال تعالوا نتذاكر قول الله تعالى لحبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 73 - 75] .

إذا استعرضنا ما ورد في سبب نزول هذه الآية وجدنا أن قريشا طلبت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يظهر شيئًا يسيرًا من الاحترام لأصنامهم، شيئًا يسيرًا دون العبادة، كأن يمس أصنامهم مسًا، فإن فعل ذلك دخلوا في دينه، قالوا: (يا محمد تعال فاستلم آلهتنا وندخل معك في دينك) . وقد ذهب عدد من أهل العلم إلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يقع منه ولا حتى مقاربة الميل إلى تلبية طلبهم، وذلك بتثبيت الله له، إلا أن الله تعالى بيّن أنه لو وقع منه عليه السلام ركون قليل إلى ما طلبوه لعذبه عذاب الضعف في الحياة وعند الممات {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} .

العبادة لم تحصل، بل ولا إظهار الاحترام، بل ولا الميل إلى إظهار الاحترام، ومع ذلك يأتي الوعيد الشديد من الله تعالى على الحالة الافتراضية من حصول الميل إلى إظهار شيء يسير من الاحترام مهما كان المقابل مغريا. ذلك أن جناب التوحيد لا بد أن يبقى ناصعًا واضحًا وأن يُحرس حراسة عظيمة ولا يُحام حول حماه. والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاب لأمته من بعده، والتحذير لرسول الله تحذير لأمته من بعده، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام أبعد الناس أن يقع منه مثل هذا الركون.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام