إخواني، قضية التلبيس الحاصلة للناس بقسم كهذا لا تُعطى حقها أبدًا في النقاش. فترى البرلماني يناقش مسألة التورية ونية الحالف والمستحلف ولا يأخذ في الحسبان التلبيس على الناس بقسمه هذا، في وقت نعلم فيه أن هذه الدساتير حلت محل الشريعة وعُظمت أكثر من تعظيم الشريعة، بل وعقوبة سب الدستور أكبر من عقوبة سب الله -عزَّ وجلَّ-. ثم يأتي البرلماني"الإسلامي"أمام الناس ليقسم بالله تعالى على احترام هذا الدستور وتوطيد أركانه! هذا كله لا يأخذ أدنى نصيب من النقاش والاعتبار.
انظر كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضبط ألفاظ الصحابة لرعاية جناب التوحيد مع علمه بأن ألفاظهم هذه كانت تصدر منهم بنية سليمة. قيل له: ما شاء الله وشئت فرد عليه الصلاة والسلام: (أجعلتني لله عدلا! -يعني كفئا- بل ما شاء الله وحده) ، وهؤلاء -هداهم الله- يلبسون على الناس بقسم على ما يجعل البشر عدولاً لله، بل مشرعين بدلاً من الله.
لم يقل الدستور ما شاء الله وشاء الشعب، بل ما شاء الشعب وحده. وليس هذا سوء تعبير مع نية سليمة كنية الصحابة، بل نص ملزم تتبعه قوانين نافذة يُعاقب من خالفها. فأين حراسة جناب التوحيد يا أصحاب القسم؟ أبهدم التوحيد والتلبيس على الناس تقيمون الشريعة؟
ثم هؤلاء الذين يقولون: (نتحمل مفسدة القسم مع التورية من أجل مصلحة إقامة الشريعة) ، وقد يستدلون بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لمحمد بن مسلمة أن يوري أمام كعب بن الأشرف اليهودي بكلام يظهر منه عدم القناعة بالإسلام إذ قال: (إن هذا - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عنانا وسألنا الصدقة) وقال: (فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه، حتى ننظر إلى ما يصير أمره) ، كلام عام، أذن رسول الله له أن يقول هذا الكلام ليأمنه كعب بن الأشرف فيتمكن محمد بن مسلمة من قتله وإراحة المسلمين من شره وتأليبه للكافرين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.