32 ـ باب
الفرق بين جهل الحال والمعنى وبين جهل الحكم بدون عمل [1]
قال تعالى (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)
وقال تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) وقال تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) .
وعن ابن عباس مرفوعا (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان) صححه ابن حبان والحاكم.
وعند مسلم من حديث أنس في قصة الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح قال ابن تيمية(وقد سبق اللسان بغير ما قصد القلب كما يقول الداعي من الفرح اللهم أنت عبدي
00 الكلامَ)في تلخيص الرد على البكري ص 244.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تاريخ نجد ص 452 المسألة الرابعة إذا نطق بكلمة الكفر ولم يعلم معناها صريح واضح أنه يكون نطق بما لا يعرف معناه وأما كونه أنه لا يعرف أنها تكفره فيكفي فيه قوله (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) فهم يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم ظانين أنها لا تكفر اهـ [2]
(1) وهي التفريق بين من جهل الحكم وبين من جهل الحال والواقع، فبالنسبة لواقع وحال المرتدين الذين كفرهم خفيّ باطن لا يُعرف إلاّ بالبحث والتنقيب:
أي أن هناك فرق بين من لم يكفر الكافر، وبين من لم يحكم على الكفر بالكفر، والسبب أن إجراءات تكفير الكافر المعين تحتاج لتأكد وتثبت ويمكن فيه جهل الحال للشرك أو الكفر، وهل قام به الفعل أو القول الكفري أو لم يقم؟ وهل هو خالٍ من الموانع ولا لبس ولا خفاء فيه؟ ــ وهذا أيضا يحتاج إلى علم ــ أمَّا الحكم على من ثبت عليه الكفر، فهذا لا يحتاج لذلك، فلا يحتاج أن نتوقف في أن من عبد غير اللَّه أنه كافر؟ أو أن عبادة غير اللَّه ليست بكفر؟ بل هي كفر أكبر.
مثال آخر: من سجد لغير الله وذبح لغير الله فهذا كافر، ومن قال أن الذبح لغير الله ليس بكفر فهو كافر، والسبب لأنه جهل الحكم، وهنا لا يقبل منه هذا الجهل، وليس مثل جهل الحال الذي ذكرناه في المرتد الملتبس، فلو قال هذا الشخص أنا لا أكفر هذا المعين الذي تقول عنه أنه ذبح لغير الله لعدم الثبوت، ولكن لو ثبت أنه ذبح لغير الله فهو كافر، فيكون هذا الشخص الثاني جهل الحال ولم يجهل الحكم، وفرق بينهما. أما جهل الحكم في الشرائع (أي جهل الأحكام التكليفية الخمسة) فهذا يأتي إن شاء الله في الكتاب بعده. أما جهل الحكم بمعنى المنع أي جهل بأنه ممنوع فهذا فيه تفصيل سبق بعضه ويأتي الباقي إن شاء الله.
وقوله: لا تعتذروا هنا جهل الحكم لا الحال والمعنى، قولنا في جهل الحكم مثل قولنا الجهل في الشرك أي فعله.
(2) وهنا أحب أن أختم هذه المسألة بعدة نقاط:
1 -أن مسألة جهل الحال فيما غاب عنك أما الشيء الذي تشاهده أو تسمعه فلا، فهذا لا يقول أنني أجهل حاله. مثال ذلك: إنساناً أمامك يذبح لغير اللَّه أو يمزق المصحف، أو علماني يسخر بالدين أو المتدينين، أو رجل شرّع قانوناً أمامك تسمع وترى فهذا لا تقل لا أكفره؛ لأنني أجهل حاله إلا إذا ادعى مانعا آخر غير الثبوت من الجهل ونحوه).
2 -أن ظهور الكفر مع قدرته على منعه لا يُعذر بجهل الحال.
3 -أن جهل الحال يزول بزوال الشبهة إذا اتضحت كفريات المرتد واشتهرت.