الصفحة 2 من 33

وهذه الحكمة البالغة هي أصل الصراع والامتحان والاختبار الذي جعل الله جل وعلا الناس عليه، فكانوا يتقلبون بين خطأ وصواب، وبين حق وباطل، ويغلب الحق الباطل تارة، ويغلب الباطل الحق تارة أخرى، وذلك لاعتبارات دقيقة وحكم عظيمة تخفى على كثير من الخلق؛ وذلك أن الإنسان ربما يكون معه شيء من الباطل الذي يأخذه بحسن قصد، فيقابله صاحب حق أخذه بسوء نية وطوية، فتغلب نية الباطل الحقة نية الحق الفاسدة؛ ولهذا يكون الإنسان في مصارعة بين باطنه وظاهره، فالحق كما أن له ظاهراً كذلك فإن له باطناً أيضاً؛ ولهذا فإن الله جل وعلا في تصرفه في الكون له اعتبارات وحكم تخفى على الخلق بمجموعها، وإن علموا شيئاً منها؛ ولهذا تظهر كثير من معاني صفات الله جل وعلا وأسمائه لمن تأمل سنن الله جل وعلا في الكون. والله سبحانه وتعالى حينما خلق الخلق وسير الخليقة على نظام معلوم، جعل الإنسان بعقله يخالف مراد الله سبحانه وتعالى فيما حدده له من جهة المعمول الشرعي، ولكنه يسير وفق نظام محدود بما يقدره الله جل وعلا له؛ ولهذا من انحرف عن أمر الله سبحانه وتعالى ومراده، وخرج عن قضاء الله الشرعي وتكليفه سبحانه وتعالى لعبده المكلف كان ذلك الخارج أقل مرتبة من الجماد، وذلك أن الجماد لا يوجه إليه الخطاب الشرعي، وإنما يوجه إليه الأمر القدري، فإذا وجه إليه الأمر القدري من الله سبحانه وتعالى ولم يخرج عنه كان متفوقاً على من وجه إليه الخطاب القدري ووجه إليه الخطاب الشرعي فخالف الشرع، وصار على القدر الذي شارك معه الجماد، فامتاز عنه حينئذٍ الجماد وفاق؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى جعل البهائم خيراً من الكفار، وجعل الله سبحانه وتعالى الكفار أضل سبيلاً من الأنعام.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام