فهرس الكتاب
الصفحة 11 من 192

وعلى كل الأحوال فالفيلسوف يدعي أنه لا يستمد مقدماته إلا من العقل المحض، ومن الحس. ولو كان ذلك صحيحاً لما وجدنا كل ذلك التفاوت بين الفلاسفة في مقدماتهم التصورية والتصديقية، حتى ابتعدت المذاهب الفلسفية في أنواعها ما بين الفلسفات المادية المحضة إلى المثالية المطلقة، واختلفت الفلسفات المادية ما بين الكلاسيكية إلى الجدلية المادية والتاريخية، وهي الفلسفة الماركسية.

فلابد أن تكون بعض المقدمات التي يقيم عليها بعض الفلاسفة غير مبرهن عليها. ونحن هنا لا نريد المبالغة في تحليل ذلك، والبرهنة عليه؛ ولذلك فإننا نتبع في بيان هذه الفكرة نحو هذا الأسلوب الإجمالي.

إذن يشترك الفلاسفة في معنى واحد، وهو أنهم يدعون أن شيئاً من مقدماتهم غير مأخوذ من الدين، وأنهم لا يقيمون فلسفاتهم على المفاهيم الدينية.

ونحن نعرف أن بعض الفلاسفة أخذوا من بعض الأديان مقدماتهم - ككثير من فلاسفة الغرب- ولكنهم كانو يدعون أن هذه المقدمات التي أخذوها، إما بديهية أو مبرهن عليها، ومع أخذهم لها من الدين إلا أنهم أطلقوا على أفكارهم التي استنبطوها والمفاهيم التي اخترعوها، اسم الفلسفة.

وكل همهم في ذلك إنما هو محاولة تفسير هذا الوجود، بحيث يستطيعون بناء فسفة عملية على نظراتهم الفكرية المجردة. فكل فلسفة فإنها تطمح إلى بناء أعمال نظرية وأعمال عملية؛ ولذلك ترى الفلاسفة الكبار ينظرون في جميع لمسائل وجوانب الحياة، حتى تراهم يقيمون نظماً شاملة للعالم المادي، وللعالم الإنساني، ويقترحون طرقاً لبناء الحياة عليها في الاجتماع والسياسة والاقتصاد، وكل ما يتفرع عن ذلك من أمور دقيقة، حتى إنهم يتكلمون في كيفية العلاقة التي يجب أن تكون بين الرجل والمرأة، وبين الأب وابنه، وبين الحاكم والمحكوم، وبين الشعوب المختلفة .... وهكذا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام