سلسلة منهاج المسلم - (96)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي لشريعة الإسلام بكاملها: عقيدة، وآداباً، وأخلاقاً، وعبادات، ومعاملات، وقد انتهى بنا الدرس إلى: [فضل يوم الجمعة].

قال: [يوم الجمعة يوم فاضل وعظيم] إيه والله يوم الجمعة يوم فاضل وعظيم [ومن خير أيام الدنيا] من خير أيام الدنيا: يوم الجمعة [قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام ) في يوم الجمعة خلق الله تعالى آدم عليه السلام [( وفيه أدخل الجنة )] أي: أدخله الله إلى الجنة [( وفيه أخرج منها )] في يوم الجمعة أيضاً أخرج منها [( ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة )] لا تقوم الساعة إلا في يوم جمعة [فينبغي أن يعظم بتعظيم الله له، فيكثر فيه من الصالحات، ويبتعد فيه عن جميع السيئات] لما نعرف فضيلة هذا اليوم يلزمنا أن نكثر فيه من الصالحات، وأن نبتعد فيه عن السيئات؛ لفضل هذا اليوم وعظمته.

[رابعاً: آدابها وما ينبغي أن يؤتى في يومها] آداب صلاة الجمعة، وما ينبغي أن يؤتى ويفعل في يومها.

أولاً: الاغتسال لكل من يحضرها

[أولاً: الاغتسال على كل من يحضرها] الغسل واجب يوم الجمعة على كل من حضر الصلاة في المسجد [لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )] أما الطفل الصغير فلا تجب عليه، فلابد وأن يكون محتلماً. أي: بالغاً. أما الولد الذي في الثامنة والعاشرة فلا يجب عليه الغسل، ولكن يجب على الذي بلغ سن الرشد.

ثانياً: لبس نظيف الثياب ومس الطيب

[ثانياً: لبس نظيف الثياب] أن تلبس نظيف ثيابك، فإذا كان عندك ثياب في بيتك تختار أحسنها وأنظفها لتلبسه، ثم تأتي به إلى صلاة الجمعة [ومس الطيب] إذا كان عندك طيب تتطيب منه [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( على كل مسلمٍ الغسل يوم الجمعة، ويلبس من صالح ثيابه، وإن كان له طيب مس منه )] أي: من ذلك الطيب، فتدخل يوم الجمعة المسجد لتجده كله نظافة ورائحة طيبة، فلبس نظيف الثياب، ومس الطيب من سنن صلاة الجمعة وإذا ما كان له طيب أمره إلى الله، والاغتسال سواء جامع امرأته أو لم يجامعها يجب عليه أن يغتسل.

ثالثاً: التبكير إليها

[ثالثاً: التبكير إليها] أي: المشي إليها مبكراً، من الساعة الثامنة صباحاً إلى وقتها [أي: الذهاب إليها قبل دخول وقتها بزمن] ساعة أو ساعتين أو ثلاثة أو أربعة [لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح )] أي: إلى المسجد [( في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة )] كأنما تصدق ببعير، ذبحه وتصدق به [( ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة )] البعير أغلى من البقر فالبقر دونه [( ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن )] أي: كبش ممتاز له قرون [( ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة )] أي: تصدق بدجاجة [( ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام )] للصلاة بالناس [( حضرت الملائكة يستمعون الذكر )] أي: يستمعون خطبة الإمام وما فيها من ذكر الله.

فالذي يستطيع أن يمشي صباحاً الساعة -مثلاً- السابعة فكأنما قرب بدنة، والساعة الثامنة كأنما قرب بقرة، والساعة التاسعة كأنما قرب كبشاً، الساعة العاشرة كأنما قرب دجاجة، والساعة الحادية عشرة كأنما قرب بيضة، فمن كان عنده فراغ ووقت فهذا هو محل الغنائم الباردة، يغتسل بعدما يفطر -وهو يوم عطلة- ثم يمشي إلى المسجد، وكلما قدم نفسه ساعة نال الأجر أعظم.

يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى ) أي: من النهار ( فكأنما قرب بدنة ) أي: تقرب بها إلى الله وتوسل ( ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ) أي: تصدق ببقرة ( ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ) إن شاء الله نعمل ما استطعنا، إن لم يكن الأولى، فالثانية أو الثالثة أو الرابعة، أما نقرب دجاجة أو بيضة فلا ينبغي.

رابعاً: صلاة ما تيسر من النافلة عند دخول المسجد

[رابعاً: صلاة ما تيسر من النافلة عند دخول المسجد] عندما تدخل المسجد وقد اغتسلت ودخلت في الساعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة صلِّ [أربع ركعات فأكثر] تصلي أربع ركعات فأكثر من أربع، ركعتين ركعتين وتسلم، أو تصلي أربع ركعات بتسليمة واحدة، والكل جائز [وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر الله له من الجمعة إلى الجمعة، ما لم يغش الكبائر )] ذنوبه الصغائر كلها تمحى، هذا الخبر النبوي: ( لا يغتسل رجل يوم الجمعة ) لأن المرأة غير مشروع لها الجمعة.

( لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته -أي: زوجته- ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ) لا يفرق بين اثنين في الصفوف ويتعداهما؛ حتى لا يؤذي أحداً، وهذا معناه أن يدخل مبكراً ( ثم يصلي ما كتب له ) يصلي أربع ركعات أو ست أو ثمان أو عشر أو عشرين، ( ثم ينصت للإمام إذا تكلم ) إذا خرج الإمام ليخطب بالناس ( إلا غفر له من الجمعة إلى الجمعة ما لم يغش الكبائر ) أي: ما لم يفعل كبائر الذنوب. وهذه جائزة عظيمة، أهلها الموفقون لها.

خامساً: قطع الكلام والعبث بمس الحصى ونحوها إذا خرج الإمام

[خامساً: قطع الكلام والعبث بمس الحصى ونحوها إذا خرج الإمام] يجب أن لا يتكلم أحدنا بكلمة، وأن لا يمس حصاة في الأرض بين يديه، أو ما كان نحو الحصى، وذلك إذا خرج الإمام وعلا المنبر [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت)] أي اسكت [( فقد لغوت )] ( ومن لغا فلا جمعة له ).

[وقوله: ( من مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له )] أي: لا يثاب عليها، يؤديها فقط كالظهر، ويحرم ذلك الخير.

سادساً: إذا دخل والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد

[سادساً: إذا دخل والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما )] أي: يخففهما فلا يطيل، ثم يجلس.

سابعاً: كراهة تخطي رقاب الجالسين والتفرقة بينهم

[سابعاً: يكره تخطي رقاب الجالسين والتفرقة بينهم] يكره للعبد أن يتخطى الرقاب أو يفرق بين اثنين جالسين؛ ليتخذ مكاناً بينهما بالتفرقة، هذا مكروه [لقوله صلى الله عليه وسلم للذي رآه يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد آذيت)]؛ لأنه يتخطى رقاب الناس [وقوله: (ولا يفرق بين اثنين)] نهانا رسول الله أن نفرق بين اثنين جالسين في صف واحد. هذه كلها من آداب يوم الجمعة.

ثامناً: حرمة البيع والشراء عند النداء لها

[ثامناً: يحرم البيع والشراء عند النداء لها] إذا أخذ المؤذن يؤذن لصلاة الجمعة أُوقف العمل، وأغلقت أبواب المتاجر والدكاكين، وحرم البيع والشراء عند النداء لها [لقوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]].

يحرم البيع والشراء عند النداء لها، وذلك لقوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا [الجمعة:9] -إلى أين؟- إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا [الجمعة:9] أي: اتركوا الْبَيْعَ [الجمعة:9].

يا معاشر المستمعين والمستمعات! اعلموا أنه يحرم البيع والشراء عند الأذان لصلاة الجمعة، والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] أي: اتركوه. والبيع كالشراء على حد سواء.

تاسعاً: استحباب قراءة سورة الكهف في ليلتها أو يومها

[تاسعاً: يستحب] ليس على سبيل الوجوب والإلزام [قراءة سورة الكهف في ليلتها أو يومها] والصالحون دائماً يقرءون سورة الكهف إما ليلة الجمعة أو نهار الجمعة على وجه الندب والاستحباب لا على الإلزام والوجوب [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة؛ أضاء له من النور ما بين الجمعتين )] يقضي ذلك الأسبوع في خير وهداية ونور، لا ظلم ولا فسق ولا فجور.

عاشراً: الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله في يومها

[عاشراً: الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: ( أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة )] وحد الكثرة عند أهل العلم ثلاثمائة فما فوق، فلا تقل: سبع مرات أو عشر مرات. حد الكثرة ثلاثمائة فأكثر.

[( فمن فعل ذلك؛ كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة )] هذه هي الجائزة: أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيداً له وشفيعاً يوم القيامة، هذا الذي يكثر من الصلاة ليلة الجمعة ويومها على النبي صلى الله عليه وسلم.

وأفضل صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وأصغر صيغة: اللهم صل على محمد وآله وسلم تسليماً. تجزئه وتكفيه هذه الصيغة.

الحادي عشر: الإكثار من الدعاء يومها

[الحادي عشر: ] من السنن والفضائل ليوم الجمعة [الإكثار من الدعاء يومها؛ لأن بها ساعة استجابة، من صادفها استجاب الله له وأعطاه ما سأل، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن في يوم الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيراً إلا أعطاه إياه )، وورد أنها ما بين خروج الإمام إلى الفراغ من الصلاة] ومعنى هذا: أن نكثر من الدعاء في الصلاة ونحن في السجود فقد نصادف هذه الساعة [وقد قيل: إنها بعد العصر] وهذا معناه: أن يصلي العصر ويجلس إلى المغرب يدعو الله عز وجل، والذي أبينه للأبناء دائماً في شأن الجمعة أني أقول لكل واحد منهم: تعال من الساعة الثامنة، وصلّ وادع، وفي الجمعة ثانية: تعال من الساعة التاسعة لتدع وتصلّ فلعلك تحصل عليها، ويوم الجمعة الآخر: تأتي من العاشرة، ويوم آخر: تأتي قبل الإمام، وتدعو في الصلاة، تصلي الجمعة وتبقى في مكانك تدعو الله عز وجل وتصلي. وجمعة أخرى: من العصر واستمر إلى الليل، لابد وأن تظفر بهذه الساعة؛ لأن الله أخفاها ولم يبينها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من أجل أن ندعو الله طول ذلك اليوم ما استطعنا.

نتصيد هذه الساعة بأن نأتي يوم الجمعة مبكرين، ويوم جمعة آخر نصلي الجمعة ونبقى في المسجد حتى نصلي العصر علنا نحظى بتلك الساعة، وجمعة من الجمع نصلي العصر ونبقى هناك حتى المغرب علنا نظفر بهذه الساعة، والله لا يحرم عبداً يريدها وقد طلبها. والله تعالى أسأل أن ينفعنا دائماً بما ندرس ونسمع.

[أولاً: الاغتسال على كل من يحضرها] الغسل واجب يوم الجمعة على كل من حضر الصلاة في المسجد [لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )] أما الطفل الصغير فلا تجب عليه، فلابد وأن يكون محتلماً. أي: بالغاً. أما الولد الذي في الثامنة والعاشرة فلا يجب عليه الغسل، ولكن يجب على الذي بلغ سن الرشد.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4161 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4087 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3873 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3866 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3839 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3827 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3754 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3653 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3646 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3615 استماع