عمدة الفقه - كتاب البيع [10]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم إنا نسألك إيماناً صادقا، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم اجعل لنا لسان صدق في الآخرين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، واغفر لوالدينا وذرياتنا يا رب العالمين، اللهم أدخلنا مُدخل صدق، وأخرجنا مُخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيراً، وبعد:

تعريف خيار العيب وحكمه

فقد قال المؤلف: (وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه فله رده).

وهذا يسمى خيار العيب، وهو إعطاء أحد المتعاقدين الخيار بين إمضاء العقد أو رده إذا وجد في المبيع عيباً.

وخيار العيب مُجمع عليه. والعقد صحيح، ونقل بعض المالكية الإجماع على صحة العقد كما في حديث المصراة، حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار لمن اشترى شاة مصراة وهي معيبة،

والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح.

شروط ثبوت خيار العيب

وشروط ثبوت خيار العيب هي:

الشرط الأول: عدم معرفة المشتري بالعيب عند إبرام العقد.

الشرط الثاني: أن يكون العيب ثابتاً قبل إبرام العقد فلو حدث عيب بعد إبرام العقد فإنه لا يثبت الخيار للمشتري.

الشرط الثالث: ألا يبيعه بشرط البراءة من العيوب، فإن باع البائع السلعة بشرط البراءة من العيب أو من كل عيب فإنه لا يحق للمشتري أن يرجع بالعيب إذا وجده، وهذه المسألة تُسمى: مسألة البراءة من العيوب.

وقد اختلف العلماء على خمسة أقوال في تفصيلاتها وأرجحها هو أن البيع بشرط البراءة من العيوب يصح إذا لم يعلم البائع بالعيب، فإن علم وكتمه فإن للمشتري الخيار في رد المبيع، وكيف يعلم المشتري أن البائع يعلم؟ يكون ذلك بطلب اليمين من البائع، فنقول له: احلف بالله العظيم أنك بعته إياه ولم تعلم أن بالمبيع عيباً، فإن حلف فليس للمشتري الخيار، وإن نكل -والنكول: هو الامتناع عن الحلف- فإنه يثبت الخيار للمشتري، كما ثبت عند البيهقي أن ابن عمر قال لـجبير بن مطعم : أبيعك هذه العبيد بشرط البراءة من العيوب، فوجد جبير بأحد العبيد عيباً فاشتكاه وتخاصما عند عثمان رضي الله عنه، فقال جبير: إن العيب كان موجوداً قبل أن أشتريه، فقال عثمان : يا ابن عمر أتحلف أنك بعته إياه ولم تعلم به عيباً، فأبى أن يحلف ابن عمر ، فقضى عليه بالنكول.

إذا ثبت هذا فإن المشتري مُخير بين إمساك المبيع وبين رده، ودليل ذلك حديث المصراة: ( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاع شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إما أن يُمسكها وإما أن يردها ومعها صاعاً من تمر )، إذاً: له أن يردها ولا إشكال.

حكم مطالبة المشتري للبائع بأرش العيب

وإذا أراد أن يُمسكها فهل له أن يطالب بأرش النقص؟ لأنه حينما يشتري المشتري السلعة فكل جزء من المبيع له وقع في الثمن، فإذا كان أحد أجزاء المبيع معيباً مثل ما لو رجل اشترى سلعة بخمسين ألفاً كل جزء بعشرة آلاف، لكن تبين أن أحد الأجزاء لا يساوي عشرة آلاف وإنما يساوي خمسة آلاف، فهذا هو الذي يسمونه الأرش: وهو أن يُنظر بين قيمته سليماً وقيمته معيباً، ونسبة الفرق بينهما هو الأرش، ولتعلم أن معرفة قيمته سليماً ومعيباً في نفس الأمر لا في مقدار الثمن الذي بيع به، فهب أنني بعت السيارة بخمسين ألفاً لكن حقيقتها تساوي ثلاثين ألفاً، أو بعتها بخمسين ألفاً لكنها تساوي ثمانين ألفاً، فأنظر لها سليمة على أن قيمتها ثمانون ألفاً، ومعيبة على أن قيمتها على حسب ما يُقدر في العادة ثم ننظر نسبة الفرق بينهما فنعطيه ما يقابل هذه النسبة.

فإذا رغب المشتري في إمساك المبيع فهل له أن يُطالب البائع بالأرش؟

ذهب الحنابلة والشافعية إلى أن للمشتري أن يُطالب البائع بأرش العيب وله أن يُمسكه، لأن الأرش هو الجزء الفائت في المبيع، والعقد تام، فله أن يُطالب بأرش النقص الحاصل؛ لأنه إنما أبرم العقد على أن السلعة سليمة، فإذا نقص شيء منها فكأنه أنقص البائع ما أُبرم العقد عليه، مثل ما لو باعه خمسة أصناف فأنقص البائع صنفاً فعلى المشتري أن يُطالب بإرجاع قيمة الصنف الخامس، هذا هو مذهب الحنابلة والشافعية، وقالوا: إن كل جزء من المبيع له وقع في الثمن فإذا نقص فإنه له أن يُطالبه؛ لأن العقد إنما أُبرم على شيء سليم.

والقول الثاني في المسألة، وهو مذهب أبي حنيفة و مالك واختيار أبي العباس بن تيمية والشيخ ابن سعدي وهو الراجح: أن الأرش معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا الطرفين، وإلزام البائع بالأرش ربما يكون من غير رضا، ومن شروط العقد رضا المتعاقدين، وهذا هو الراجح.

قد يقول قائل: يا شيخ! أرأيت هذا البائع الذي باع السلعة معيبة وهو عالم بذلك أليس من الحكمة أن نُلزمه بالأرش عقوبة له على خيانته وعدم وفائه بالعقود؟

فأقول: إن الضرر لا يُزال بضرر مثله، والشارع قد جعل على هذا البائع عقوبة بأنه يحق للمشتري الفسخ، ثم إن الضرر الحاصل على المشتري يُمكن إزالته بإعطائه الفسخ، أما إلزام البائع بالأرش فهذا ضرر جديد والضرر لا يُعالج بضرر مثله، وهذا هو الراجح.

قول المؤلف رحمه الله: (فله رده، أو أخذ أرش العيب)، قلنا: إن الراجح أنه ليس له ذلك.

حكم ما نما من السلعة المعيبة عند المشتري

واعلم أن المشتري إذا قبض المبيع ثم نما عنده، كأن يأخذ شاة ولم يعلم أنها مصراة، والمصراة هي أن يضع البائع غطاء على ضرعها بحيث لا تأتي السخلة الصغيرة فترضع اللبن، وأحياناً قد لا يضع غطاء لكنه لا يحلبها يوماً أو يومين حتى يكون الضرع قد ملئ فيظن المشتري إذا رأى هذه الشاة أنها شاة حلوب فيشتريها ولو بزيادة في الثمن؛ لأنه سوف يحلبها في اليوم مرتين، فإذا حلبها مرة انقطع اللبن ليومين فلا يخرج منها شيء من اللبن، وهذا غش وخداع.

وأحياناً قد لا يعلم المشتري بأن هذه مصراة إلا بعد ثلاثة أيام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فله الخيار ثلاثة أيام بعد أن يحلبها )، يعني: بعد أن يعلم، لكن أحياناً ما يعلم إلا بعد يومين ثم حلبها ثلاثة أيام فصارت خمسة أيام، ثم أتى بتيس ونزا على هذه الشاة فحملت، فإذا أراد أن يُرجع الشاة ردها وصاعاً من تمر؛ ضماناً على اللبن الموجود في الضرع حين إبرام العقد، وهي قضاء حكومة، وأما اللبن الذي كان المشتري يشربه وقت بقائها عنده فالخراج بالضمان؛ لأنه يؤكلها ولو هلكت فهي من ضمانه فالخراج بالضمان.

فإذا حملت الشاة عند المشتري فهل له أن يقول للبائع: أعطني مائة؛ لأن الشاة صارت حاملاً وما حملت إلا عندي؟

نقول: لا يخلو هذا النماء من أن يكون نماءً متصلاً أو نماءً منفصلاً، والمتصل: هو الذي يكون في المبيع من غير إمكانية فصله، فهنا يرد المشتري السلعة بنمائها، وهذا إجماع؛ لأنه لا يمكن أن يرد الأصل إلا برد زيادته، فلم يجز الرد دونها.

القسم الثاني: إذا كان النماء منفصلاً، مثاله: لو اشترى شاة حاملاً، ثم ولدت عنده فأراد أن يُرجعها فذهب إلى البائع وقال: خدعتني، وجدتها مصراة فأريد أن أُرجعها وأبقي هذه السخلة، فقال البائع: لا، إما أن تُرجعهما معاً وإما ألا تُرجعها.

فهذا النماء المنفصل اختلف الفقهاء فيه على قولين، والراجح أن المنفصل حق للمشتري وليس للبائع؛ لأن الخراج بالضمان، فلو أن المبيع هلك فإنه من ضمان المشتري، وكذلك يقال فيه هنا، ولهذا قال المؤلف: (وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له)، يعني للمشتري.

وبالنسبة للمثال السابق نقول: أصلاً المشتري كاذب؛ لأنها إذا كانت حاملاً لم تكن مصراة، فدعواه بأن البائع غشه ليست صحيحة، فهو إذاً طلب إعادة السلعة بعد التفرق، وهو لا يصح، وطلب البائع السخلات مع علمه أن المال المنفصل حق للمشتري، فهي معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا الطرفين.

إذاً طلب البائع من المشتري أن يأخذ السخلات هو معاوضة جديدة لا علاقة له بالنماء المنفصل أو غيره.

هذا هو الفرق، ولهذا إذا أتتك مسألة فاتئد فيها وتأمل.

الحالات التي يثبت فيها الأرش فقط في السلعة المعيبة

قول المؤلف رحمه الله: (وإن تلفت السلعة، أو عتق العبد، أو تعذر رده فله أرش العيب) إذا اشترى المشتري السلعة ثم بانت معيبة فله أن يمضي العقد وله أن يرده، إلا أنه أحياناً لا يُمكن الرد فيثبت الأرش قولاً واحداً، ألم نقل: الأرش في الأول معاوضة تحتاج إلى رضا الطرفين؟ لكن أحياناً يُلزم البائع بالأرش في صور مثل: أن يتلف المعيب كأن تموت الشاة عند المشتري فحينئذ للمشتري أن يُطالب البائع بالأرش.

أو يكون عنده عبد أعتقه في سبيل الله فله أن يُطالبه بالأرش؛ لأنه اشتراه بأغلى من سعر المثل فكأنه غُبن فيه، أو تعذر رده، ويتعذر الرد بأن يُهديه لغيره فيعلم به عيباً بعد ذلك، أو يبيعه على الغير فيعلم به عيباً بعد ذلك، فحينئذ له أن يأخذ الأرش، وهذه المسألة بإجماع أهل العلم كما نقل ذلك غير واحد من أهل العلم.

فقد قال المؤلف: (وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه فله رده).

وهذا يسمى خيار العيب، وهو إعطاء أحد المتعاقدين الخيار بين إمضاء العقد أو رده إذا وجد في المبيع عيباً.

وخيار العيب مُجمع عليه. والعقد صحيح، ونقل بعض المالكية الإجماع على صحة العقد كما في حديث المصراة، حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار لمن اشترى شاة مصراة وهي معيبة،

والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح.

وشروط ثبوت خيار العيب هي:

الشرط الأول: عدم معرفة المشتري بالعيب عند إبرام العقد.

الشرط الثاني: أن يكون العيب ثابتاً قبل إبرام العقد فلو حدث عيب بعد إبرام العقد فإنه لا يثبت الخيار للمشتري.

الشرط الثالث: ألا يبيعه بشرط البراءة من العيوب، فإن باع البائع السلعة بشرط البراءة من العيب أو من كل عيب فإنه لا يحق للمشتري أن يرجع بالعيب إذا وجده، وهذه المسألة تُسمى: مسألة البراءة من العيوب.

وقد اختلف العلماء على خمسة أقوال في تفصيلاتها وأرجحها هو أن البيع بشرط البراءة من العيوب يصح إذا لم يعلم البائع بالعيب، فإن علم وكتمه فإن للمشتري الخيار في رد المبيع، وكيف يعلم المشتري أن البائع يعلم؟ يكون ذلك بطلب اليمين من البائع، فنقول له: احلف بالله العظيم أنك بعته إياه ولم تعلم أن بالمبيع عيباً، فإن حلف فليس للمشتري الخيار، وإن نكل -والنكول: هو الامتناع عن الحلف- فإنه يثبت الخيار للمشتري، كما ثبت عند البيهقي أن ابن عمر قال لـجبير بن مطعم : أبيعك هذه العبيد بشرط البراءة من العيوب، فوجد جبير بأحد العبيد عيباً فاشتكاه وتخاصما عند عثمان رضي الله عنه، فقال جبير: إن العيب كان موجوداً قبل أن أشتريه، فقال عثمان : يا ابن عمر أتحلف أنك بعته إياه ولم تعلم به عيباً، فأبى أن يحلف ابن عمر ، فقضى عليه بالنكول.

إذا ثبت هذا فإن المشتري مُخير بين إمساك المبيع وبين رده، ودليل ذلك حديث المصراة: ( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاع شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إما أن يُمسكها وإما أن يردها ومعها صاعاً من تمر )، إذاً: له أن يردها ولا إشكال.

وإذا أراد أن يُمسكها فهل له أن يطالب بأرش النقص؟ لأنه حينما يشتري المشتري السلعة فكل جزء من المبيع له وقع في الثمن، فإذا كان أحد أجزاء المبيع معيباً مثل ما لو رجل اشترى سلعة بخمسين ألفاً كل جزء بعشرة آلاف، لكن تبين أن أحد الأجزاء لا يساوي عشرة آلاف وإنما يساوي خمسة آلاف، فهذا هو الذي يسمونه الأرش: وهو أن يُنظر بين قيمته سليماً وقيمته معيباً، ونسبة الفرق بينهما هو الأرش، ولتعلم أن معرفة قيمته سليماً ومعيباً في نفس الأمر لا في مقدار الثمن الذي بيع به، فهب أنني بعت السيارة بخمسين ألفاً لكن حقيقتها تساوي ثلاثين ألفاً، أو بعتها بخمسين ألفاً لكنها تساوي ثمانين ألفاً، فأنظر لها سليمة على أن قيمتها ثمانون ألفاً، ومعيبة على أن قيمتها على حسب ما يُقدر في العادة ثم ننظر نسبة الفرق بينهما فنعطيه ما يقابل هذه النسبة.

فإذا رغب المشتري في إمساك المبيع فهل له أن يُطالب البائع بالأرش؟

ذهب الحنابلة والشافعية إلى أن للمشتري أن يُطالب البائع بأرش العيب وله أن يُمسكه، لأن الأرش هو الجزء الفائت في المبيع، والعقد تام، فله أن يُطالب بأرش النقص الحاصل؛ لأنه إنما أبرم العقد على أن السلعة سليمة، فإذا نقص شيء منها فكأنه أنقص البائع ما أُبرم العقد عليه، مثل ما لو باعه خمسة أصناف فأنقص البائع صنفاً فعلى المشتري أن يُطالب بإرجاع قيمة الصنف الخامس، هذا هو مذهب الحنابلة والشافعية، وقالوا: إن كل جزء من المبيع له وقع في الثمن فإذا نقص فإنه له أن يُطالبه؛ لأن العقد إنما أُبرم على شيء سليم.

والقول الثاني في المسألة، وهو مذهب أبي حنيفة و مالك واختيار أبي العباس بن تيمية والشيخ ابن سعدي وهو الراجح: أن الأرش معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا الطرفين، وإلزام البائع بالأرش ربما يكون من غير رضا، ومن شروط العقد رضا المتعاقدين، وهذا هو الراجح.

قد يقول قائل: يا شيخ! أرأيت هذا البائع الذي باع السلعة معيبة وهو عالم بذلك أليس من الحكمة أن نُلزمه بالأرش عقوبة له على خيانته وعدم وفائه بالعقود؟

فأقول: إن الضرر لا يُزال بضرر مثله، والشارع قد جعل على هذا البائع عقوبة بأنه يحق للمشتري الفسخ، ثم إن الضرر الحاصل على المشتري يُمكن إزالته بإعطائه الفسخ، أما إلزام البائع بالأرش فهذا ضرر جديد والضرر لا يُعالج بضرر مثله، وهذا هو الراجح.

قول المؤلف رحمه الله: (فله رده، أو أخذ أرش العيب)، قلنا: إن الراجح أنه ليس له ذلك.

واعلم أن المشتري إذا قبض المبيع ثم نما عنده، كأن يأخذ شاة ولم يعلم أنها مصراة، والمصراة هي أن يضع البائع غطاء على ضرعها بحيث لا تأتي السخلة الصغيرة فترضع اللبن، وأحياناً قد لا يضع غطاء لكنه لا يحلبها يوماً أو يومين حتى يكون الضرع قد ملئ فيظن المشتري إذا رأى هذه الشاة أنها شاة حلوب فيشتريها ولو بزيادة في الثمن؛ لأنه سوف يحلبها في اليوم مرتين، فإذا حلبها مرة انقطع اللبن ليومين فلا يخرج منها شيء من اللبن، وهذا غش وخداع.

وأحياناً قد لا يعلم المشتري بأن هذه مصراة إلا بعد ثلاثة أيام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فله الخيار ثلاثة أيام بعد أن يحلبها )، يعني: بعد أن يعلم، لكن أحياناً ما يعلم إلا بعد يومين ثم حلبها ثلاثة أيام فصارت خمسة أيام، ثم أتى بتيس ونزا على هذه الشاة فحملت، فإذا أراد أن يُرجع الشاة ردها وصاعاً من تمر؛ ضماناً على اللبن الموجود في الضرع حين إبرام العقد، وهي قضاء حكومة، وأما اللبن الذي كان المشتري يشربه وقت بقائها عنده فالخراج بالضمان؛ لأنه يؤكلها ولو هلكت فهي من ضمانه فالخراج بالضمان.

فإذا حملت الشاة عند المشتري فهل له أن يقول للبائع: أعطني مائة؛ لأن الشاة صارت حاملاً وما حملت إلا عندي؟

نقول: لا يخلو هذا النماء من أن يكون نماءً متصلاً أو نماءً منفصلاً، والمتصل: هو الذي يكون في المبيع من غير إمكانية فصله، فهنا يرد المشتري السلعة بنمائها، وهذا إجماع؛ لأنه لا يمكن أن يرد الأصل إلا برد زيادته، فلم يجز الرد دونها.

القسم الثاني: إذا كان النماء منفصلاً، مثاله: لو اشترى شاة حاملاً، ثم ولدت عنده فأراد أن يُرجعها فذهب إلى البائع وقال: خدعتني، وجدتها مصراة فأريد أن أُرجعها وأبقي هذه السخلة، فقال البائع: لا، إما أن تُرجعهما معاً وإما ألا تُرجعها.

فهذا النماء المنفصل اختلف الفقهاء فيه على قولين، والراجح أن المنفصل حق للمشتري وليس للبائع؛ لأن الخراج بالضمان، فلو أن المبيع هلك فإنه من ضمان المشتري، وكذلك يقال فيه هنا، ولهذا قال المؤلف: (وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له)، يعني للمشتري.

وبالنسبة للمثال السابق نقول: أصلاً المشتري كاذب؛ لأنها إذا كانت حاملاً لم تكن مصراة، فدعواه بأن البائع غشه ليست صحيحة، فهو إذاً طلب إعادة السلعة بعد التفرق، وهو لا يصح، وطلب البائع السخلات مع علمه أن المال المنفصل حق للمشتري، فهي معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا الطرفين.

إذاً طلب البائع من المشتري أن يأخذ السخلات هو معاوضة جديدة لا علاقة له بالنماء المنفصل أو غيره.

هذا هو الفرق، ولهذا إذا أتتك مسألة فاتئد فيها وتأمل.

قول المؤلف رحمه الله: (وإن تلفت السلعة، أو عتق العبد، أو تعذر رده فله أرش العيب) إذا اشترى المشتري السلعة ثم بانت معيبة فله أن يمضي العقد وله أن يرده، إلا أنه أحياناً لا يُمكن الرد فيثبت الأرش قولاً واحداً، ألم نقل: الأرش في الأول معاوضة تحتاج إلى رضا الطرفين؟ لكن أحياناً يُلزم البائع بالأرش في صور مثل: أن يتلف المعيب كأن تموت الشاة عند المشتري فحينئذ للمشتري أن يُطالب البائع بالأرش.

أو يكون عنده عبد أعتقه في سبيل الله فله أن يُطالبه بالأرش؛ لأنه اشتراه بأغلى من سعر المثل فكأنه غُبن فيه، أو تعذر رده، ويتعذر الرد بأن يُهديه لغيره فيعلم به عيباً بعد ذلك، أو يبيعه على الغير فيعلم به عيباً بعد ذلك، فحينئذ له أن يأخذ الأرش، وهذه المسألة بإجماع أهل العلم كما نقل ذلك غير واحد من أهل العلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2653 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2535 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2451 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2398 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2318 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2170 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2170 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2130 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2109 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2106 استماع