سلسلة منهاج المسلم - (94)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، الحاوي للعقيدة الإسلامية والآداب والأخلاق والعبادات والمعاملات الشرعية، وها نحن مع العبادات.

ومع المادة التاسعة، وهي في قصر الصلاة وجمعها، وصلاة المريض والخوف، هذه التي نتدارسها الليلة إن شاء الله.

معنى القصر

قال: [ أولاً: القصر ].

[ أولاً: معناه: القصر: هو صلاة الرباعية ركعتين بالفاتحة والسورة ] فالقصر في الصلاة هو صلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء ركعتين يقرأ في الأولى بالفاتحة والسورة، والثانية كذلك [ أما المغرب والصبح فلا تقصران؛ لكون المغرب ثلاثية ] فلا تقصر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قصرها [ والصبح ثنائية ] فلا تقصر كذلك، والطويل هو الذي يقصر، وهو الظهر والعصر والعشاء.

حكم القصر

[ ثانياً: حكمه: القصر مشروع بقول الله تعالى ] في كتابه العزيز [ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] ] وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ مسافرين لتجارة أو قتال أو جهاد، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ، أي: إثم ولا حرج، أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ، أي: الرباعية، فتصلوها ركعتين ركعتين [ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه ] أي: عن القصر [ ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) ] فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القصر أجابهم: بأن هذه ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ). وأنت تقبل صدقة الإنسان يتصدق بها عليك، والله يتصدق عليك وأنت تلوي رأسك، فاقبل صدقة الله عز وجل؛ فلهذا لا ينبغي للمسافر أن لا يقصر الرباعية، بل عليه أن يقصرها فيصليها ركعتين.

ومن الأدلة أيضاً بعد الكتاب والسنة: [ مواظبة الرسول ] صلى الله عليه وسلم [ عليه ] على القصر [ تجعله سنة متأكدة ] فما سافر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا قصر، فهذه الحال تستدعي أن تكون سنة مؤكدة، وهناك من شذ وقال: قصر الصلاة فريضة، فلو صلى الرباعية أربعاً بطلت صلاته، وهذا القول منبوذ مرفوض، وحسبنا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) [ إذ ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً إلا قصر فيه، وقصر معه أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ] وأي دليل أكبر من هذا؟

إذاً: القصر مشروع ومسنون، وهو سنة مؤكدة لا ينبغي أن نتركه إذا سافرنا لحج أو عمرة أو جهاد أو تجارة، إلا سفر الفسق والفجور فلا يحل لصاحبه أن يقصر ولا أن يفطر؛ إذ يجب عليه أن يعود إلى بلده.

المسافة التي يسن فيها القصر

[ ثالثاً: المسافة التي يسن القصر فيها ] وهذه لا بد من معرفة طولها [ لم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم للقصر مسافة ] ينتهى إليها في القصر لحكم [ وإنما جمهور الصحابة والتابعين والأئمة نظروا إلى المسافات التي قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدوها تقارب أربعة برد ] نظروا إلى المسافات التي قصر فيها الرسول شمالاً أو جنوباً أو غرباً من المدينة إلى خارجها، فقالوا: لا تنقص عن أربعة برد، والبرد جمع بريد [ فجعلوا الأربعة برد - وهي ثمانية وأربعون ميلاً- ] والميل ألفا ذراع. أي: ألفا متر، والآن العمل الجاري به ألفا متر، والميل ألفا ذراع، والفرسخ ثلاثة أميال، فتصبح اثنا عشر ميلاً، والأربعة فراسخ بريد، والأربعة البرد ثمانية وأربعون ميلاً، والميل على الصحيح ألفا ذراع، وهذا أخذته فرنسا عن الإسلام أيام كان الأندلس يسود ويحكم، وهو هذا الذي يستعمل الآن بالكيلو متر، فهو والله مأخوذ من هذا الذي كان عليه المسلمون أيام سيادتهم وقيادتهم، فالكيلو متر ألفا ذراع، أي: ألف متر، والميل كيلو، والثلاثة أميال فرسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والثلاثة أميال في أربعة باثني عشر، والبريد أربعة فراسخ، فالأربعة برد ثمانية وأربعون ميلاً، أي: كيلو.

ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم للقصر مسافة ينتهى إليها، ولهذا بعض الشاذين إذا خرج من مدينته قصر، والأقوال التي ما أجمع عليها أئمة الإسلام لا نقول بها ولا نأخذ بها، ولا نفرق كلمة المسلمين.

ومادام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة القصر فالجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة - أي: أكثرهم- نظروا إلى المسافات التي قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلاً من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى بدر، ومن المدينة إلى مكة، فنظروا إلى المسافات التي قصر فيها، فوجدوها تقارب أربعة برد، فجعلوا الأربعة برد هي ثمانية وأربعون ميلاً [ حداً أدنى لمسافة القصر ] هذا الحد الأدنى، أما الأكثر فآلاف الأميال، فإذا كانت المسافة من مدينتك إلى المدينة الأخرى ثمانية وأربعين ميلاً فأكثر فاقصر الصلاة، هذا الحد الأدنى، وإذا كانت أقل من ثمانية وأربعين لا تقصر [ فمن سافرها في غير معصية الله ] وأما الذين يسافرون للمعصية فلا يحل لهم القصر، ولا أن يفطروا في رمضان [ سن له القصر ] وأصبح سنة، ومن حقه أن يفعله [ فيصلي الرباعية - الظهر والعصر والعشاء- اثنتين ].

وقد أجمع أئمة الإسلام على أن الرسول ما حدد مسافة القصر، وقد عرف الصحابة والتابعون وأولادهم وأئمة الإسلام المسافات التي قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فنظروا إليها فوجدوها في نحو الثمانية وأربعين ميلاً، فمن سافر منا مسافة ثمانية وأربعين كيلو متر قصر الصلاة، وإذا كانت أكثر فمن باب أولى، ولكن لا يقصر في أقل من ثمانية وأربعين كيلو، ولا يلتفت إلى من قال: يقصر حتى ولو كانت المسافة كيلو متر، فهذا الشذوذ لا نقوله.

والمسافر ليشرب الخمر أو ليأتي بالمنكر أو ليفعل كذا أو ليتلصص لا يحل له أن يقصر الصلاة ولا الصيام؛ إذ سفره حرام لا يحل له.

بداية القصر ونهايته

[ رابعاً: ابتداء القصر وانتهاؤه: يبتدئ المسافر قصر صلاته من مغادرته مساكن بلده ] فإذا خرج من البلد وترك المساكن وراءه ودخل وقت الصلاة يقصر [ ويستمر يقصر مهما طالت مدة سفره إلى أن يعود إلى بلده، إلا أن ينوي إقامة أربعة أيام فأكثر في بلد ما ينزل به، فإنه يتم ولا يقصر ] فلو سافر من المدينة إلى اليمن أو إلى جدة فمن حيث يترك المدينة يقصر، إلى أن يصل إلى البلد الذي هو أراده، ثم ينظر كم سيبقى فيه، فإن كان يومين أو ثلاثة فيقصر، وإذا كان أربعة أيام فأكثر فيتم صلاته، فمن وقت أن يترك البلد وراءه يقصر حتى يصل إلى البلد الذي أراده بعيداً أو قريباً، ثم إن نوى الإقامة وعرف أنه سيقيم هنا أسبوعاً أو شهراً فقد انتهى القصر، ووجب عليه أن يتم صلاته، وإن كان لا يدري هل سيبقى يومين أو ثلاثة أو أربعة فيقصر حتى يطمئن إلى متى سيبقى، ثم إذا أخذ راجعاً يأخذ في القصر حتى يعود إلى بلده، ولا التفات إلى من يذهب إلى لندن أو باريس يدرس ويقصر أربع سنوات، فلا قيمة لهذا القول؛ [ إذ بنية الإقامة يستريح خاطره، ويهدأ باله، ولم تبق العلة التي شرع من أجلها القصر، وهي قلق المسافر وانشغال باله بمهام سفره ] وهذه هي علل القصر، فلا ينزل في بلد يتاجر عاماً وهو يقصر كالإباضية، فإن نوى الإقامة استراح وانتهى، فلا يقصر [ وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة ]؛ لأنه ما يسافر إلا بإذن، ولا يدري متى يؤذن له، فلو جاء جبريل وقال: الآن تمشي، مشى، وأنت لو دخلت مثلاً بلداً ولا تدري متى يأتي أمر الخروج فتقصر ولو سنة حتى يتعين زمان خروجك أو إقامتك، فلو سافرت إلى بلد ولا تدري متى تؤمر بالخروج فتقصر ولو عاماً، فالرسول لما نزل بتبوك كان ما يدري متى يقال له: ارحل، وعد إلى المدينة أو تقدم، بل كان ينتظر الأمر من الله، فقصر عشرين يوماً مع رجاله وأصحابه؛ لأنه ما تبين له متى يسافر [ وقيل: لأنه لم ينو الإقامة بها ] فهو ما نوى الإقامة بها؛ إذ لماذا يقيم بتبوك؟

النافلة في السفر

[ خامساً: النافلة في السفر ] وبعض الإخوان يعيبون على المسافر إذا صلى، ويعيرونه ولا داعي لهذا. [ إذا سافر المسلم له ] ومن حقه [ أن يترك سائر النوافل من راتبة وغيرها، ما عدا رغيبة الفجر والوتر، فإنه لا يحسن تركهما، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: لو كنت مسبحاً - متنفلاً- لأتممت صلاتي ] ومعنى هذا: لا تلموني لأني ما أصلي النافلة، فلو كنت متنفلاً لأتمت صلاتي إذاً، لما قالوا له: لم لا تصلي وتتنفل يا عبد الله! وفلان وفلان يتنفلون؟ [ كما أن للمسافر أن يتنفل بلا كراهة ما شاء من النوافل ] راتبة أو غير راتبة [ فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى ثمان ركعات وهو مسافر ] والله العظيم قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى ثمان ركعات وهو مسافر [ وكان يتنفل على ظهر دابته وهو في طريقه من سفره ] فإذا تنفل المسافر، ولم يكن عنده انشغال بال ولا شيء فهنيئاً له، فإذا كان مضطراً ومشغولاً فلا يتنفل، اللهم إلا ركعتي الفجر وإلا الوتر فقط.

فإذا رأيت من يتنفل فلا تقل له: حرام عليك، فهذا جائز، إذا لم يكن عنده شغل ولا سفر، فليتنفل فالنافلة محمودة، وإذا كنت مشغولاً ولم تتنفل فلا شيء عليك، وكل ما كنت تفعله في الحضر فيكتب لك أجره ولا ينقص.

عموم القصر لكل مسافر

[ سادساً: عموم سنة القصر لكل مسافر، لا فرق في سنة القصر بين مسافر راكب ومسافر ماشٍ، ولا بين راكب جمال أو سيارة أو طائرة إلا الملاح في البحر، إذا كان لا ينزل من سفينته طول الدهر، وكان له بسفيته أهل ] زوجة [ فإنه لا يسن له القصر، بل عليه أن يتم صلاته؛ لأنه كمستوطن للسفينة ] ومقيم في بلد، فهذه السفينة دائماً هو عليها، وطعامه وشرابه ونومه حتى زوجته معه، فلا يقصر أبداً، لكن المسافر على طائرة أو على سيارة أو على جمل أو على غيره هو الذي يسن له أن يقصر.

وفي مسألة الطائرة أفيدكم علماً إن شاء الله: لا تصلي الفريضة على الطائرة، لا الصبح ولا الظهر ولا العصر ولا العشاء ولا المغرب، إلا إذا تيقنت أنك إذا لم تصل هذه الفريضة يخرج وقتها، مثل ما لو كنت في الطائرة وسألت الملاح: متى نصل إلى جدة؟ فقال: نصل بعد المغرب بساعة أو ساعتين ففي هذه الحال يجب أن تصلي الظهر والعصر على الطائرة جالساً أو قائماً أو قاعداً كما استطعت، ركعتين ركعتين، ولو كنت مسافراً في أثناء الليل وسألته: متى نصل إلى الرحلة؟ فقال: تصل بعد الفجر فيجب أن تصلي المغرب والعشاء على الطائرة، حتى لا يخرج وقتهما، وكذلك لو قال: نصل بعد طلوع الشمس بساعة فيجب أن تصلي الصبح في الطائرة. وأما النافلة فصلها على الطائرة كما شئت ليلاً ونهاراً، فالرسول صلى على الدابة، وليس على الطائرة، والفريضة إذا كنت تعرف أن وقتها يخرج قبل أن تصل فيجب أن تصليها كيفما كانت الحالة، وإذا أيقنت أنك تصل إلى البلد الذي تنزل فيه الطائرة قبل خروج الوقت ففي هذه الحال لا يجوز أن تصلي الفريضة وأنت جالس أو في الطائرة.

قال: [ أولاً: القصر ].

[ أولاً: معناه: القصر: هو صلاة الرباعية ركعتين بالفاتحة والسورة ] فالقصر في الصلاة هو صلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء ركعتين يقرأ في الأولى بالفاتحة والسورة، والثانية كذلك [ أما المغرب والصبح فلا تقصران؛ لكون المغرب ثلاثية ] فلا تقصر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قصرها [ والصبح ثنائية ] فلا تقصر كذلك، والطويل هو الذي يقصر، وهو الظهر والعصر والعشاء.

[ ثانياً: حكمه: القصر مشروع بقول الله تعالى ] في كتابه العزيز [ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] ] وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ مسافرين لتجارة أو قتال أو جهاد، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ، أي: إثم ولا حرج، أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ، أي: الرباعية، فتصلوها ركعتين ركعتين [ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه ] أي: عن القصر [ ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) ] فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القصر أجابهم: بأن هذه ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ). وأنت تقبل صدقة الإنسان يتصدق بها عليك، والله يتصدق عليك وأنت تلوي رأسك، فاقبل صدقة الله عز وجل؛ فلهذا لا ينبغي للمسافر أن لا يقصر الرباعية، بل عليه أن يقصرها فيصليها ركعتين.

ومن الأدلة أيضاً بعد الكتاب والسنة: [ مواظبة الرسول ] صلى الله عليه وسلم [ عليه ] على القصر [ تجعله سنة متأكدة ] فما سافر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا قصر، فهذه الحال تستدعي أن تكون سنة مؤكدة، وهناك من شذ وقال: قصر الصلاة فريضة، فلو صلى الرباعية أربعاً بطلت صلاته، وهذا القول منبوذ مرفوض، وحسبنا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) [ إذ ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً إلا قصر فيه، وقصر معه أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ] وأي دليل أكبر من هذا؟

إذاً: القصر مشروع ومسنون، وهو سنة مؤكدة لا ينبغي أن نتركه إذا سافرنا لحج أو عمرة أو جهاد أو تجارة، إلا سفر الفسق والفجور فلا يحل لصاحبه أن يقصر ولا أن يفطر؛ إذ يجب عليه أن يعود إلى بلده.

[ ثالثاً: المسافة التي يسن القصر فيها ] وهذه لا بد من معرفة طولها [ لم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم للقصر مسافة ] ينتهى إليها في القصر لحكم [ وإنما جمهور الصحابة والتابعين والأئمة نظروا إلى المسافات التي قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدوها تقارب أربعة برد ] نظروا إلى المسافات التي قصر فيها الرسول شمالاً أو جنوباً أو غرباً من المدينة إلى خارجها، فقالوا: لا تنقص عن أربعة برد، والبرد جمع بريد [ فجعلوا الأربعة برد - وهي ثمانية وأربعون ميلاً- ] والميل ألفا ذراع. أي: ألفا متر، والآن العمل الجاري به ألفا متر، والميل ألفا ذراع، والفرسخ ثلاثة أميال، فتصبح اثنا عشر ميلاً، والأربعة فراسخ بريد، والأربعة البرد ثمانية وأربعون ميلاً، والميل على الصحيح ألفا ذراع، وهذا أخذته فرنسا عن الإسلام أيام كان الأندلس يسود ويحكم، وهو هذا الذي يستعمل الآن بالكيلو متر، فهو والله مأخوذ من هذا الذي كان عليه المسلمون أيام سيادتهم وقيادتهم، فالكيلو متر ألفا ذراع، أي: ألف متر، والميل كيلو، والثلاثة أميال فرسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والثلاثة أميال في أربعة باثني عشر، والبريد أربعة فراسخ، فالأربعة برد ثمانية وأربعون ميلاً، أي: كيلو.

ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم للقصر مسافة ينتهى إليها، ولهذا بعض الشاذين إذا خرج من مدينته قصر، والأقوال التي ما أجمع عليها أئمة الإسلام لا نقول بها ولا نأخذ بها، ولا نفرق كلمة المسلمين.

ومادام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة القصر فالجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة - أي: أكثرهم- نظروا إلى المسافات التي قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلاً من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى بدر، ومن المدينة إلى مكة، فنظروا إلى المسافات التي قصر فيها، فوجدوها تقارب أربعة برد، فجعلوا الأربعة برد هي ثمانية وأربعون ميلاً [ حداً أدنى لمسافة القصر ] هذا الحد الأدنى، أما الأكثر فآلاف الأميال، فإذا كانت المسافة من مدينتك إلى المدينة الأخرى ثمانية وأربعين ميلاً فأكثر فاقصر الصلاة، هذا الحد الأدنى، وإذا كانت أقل من ثمانية وأربعين لا تقصر [ فمن سافرها في غير معصية الله ] وأما الذين يسافرون للمعصية فلا يحل لهم القصر، ولا أن يفطروا في رمضان [ سن له القصر ] وأصبح سنة، ومن حقه أن يفعله [ فيصلي الرباعية - الظهر والعصر والعشاء- اثنتين ].

وقد أجمع أئمة الإسلام على أن الرسول ما حدد مسافة القصر، وقد عرف الصحابة والتابعون وأولادهم وأئمة الإسلام المسافات التي قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فنظروا إليها فوجدوها في نحو الثمانية وأربعين ميلاً، فمن سافر منا مسافة ثمانية وأربعين كيلو متر قصر الصلاة، وإذا كانت أكثر فمن باب أولى، ولكن لا يقصر في أقل من ثمانية وأربعين كيلو، ولا يلتفت إلى من قال: يقصر حتى ولو كانت المسافة كيلو متر، فهذا الشذوذ لا نقوله.

والمسافر ليشرب الخمر أو ليأتي بالمنكر أو ليفعل كذا أو ليتلصص لا يحل له أن يقصر الصلاة ولا الصيام؛ إذ سفره حرام لا يحل له.