سلسلة منهاج المسلم - (9)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وها نحن مع الإيمان.

وأعيد إلى أذهان المستمعين مذكراً الناسين ومعلماً غير العالمين: أن العقيدة الإسلامية الصحيحة السليمة بمنزلة الروح، صاحبها حي وفاقدها ميت، ومن داخل عقيدته زيادة أو نقصان أو تحريف بتبديل أو تغيير فهو كالمريض يقوى على فعل شيء ويعجز عن آخر، ويستطيع أن يعطي يوماً ويعجز عن العطاء يوماً آخر؛ وذلك لضعف ومرض عقيدته؛ فلهذا يجب أن نصحح عقيدتنا حتى تكون كعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بلا زيادة ولا نقصان، فلا نتبع في عقيدتنا مشايخ ولا أئمة، ولكن نتبع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال -فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الفرقة الناجية قال: ( هم من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، فهذه العقيدة بمنزلة الروح صاحبها حي يسمع ويأخذ ويعطي ويذهب ويجيء لكمال حياته، وفاقدها ميت.

والدليل: أن أهل الذمة عندما يكونون في ديارنا فإنهم لا يكلفون بصلاة ولا صيام، ولا بزكاة ولا بجهاد ولا برباط لأنهم أموات، والميت لا يكلف، فإذا دخلتهم روح الإيمان وانتشرت في قلوبهم عندها مرهم يطيعوا، وقل: هاتوا يعطوا. أما وهم أموات فلا تكليف لهم.

وهذه القضية مسلَّمة عند أهل العلم، فالكافر لا يكلف بصيام ولا بوضوء ولا بغسل جنابة.

هذه العقيدة مبناها ستة أركان إن سقط ركن منها تساقطت كلها، وإن تزعزع هوت وسقطت، ستة أركان يجب على كل من دخل في الإسلام أن يحفظها ويتحدث بها وهو موقن، وهذه الأركان الستة جاءت في حديث جبريل عليه السلام: إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه في المسجد يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وإذا بجبريل عليه السلام يأتي في صورة عجيبة من الكمال والجمال ليس عليه أثر السفر والتعب، فيشق الصفوف وينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً إليه، مسنداً ركبتيه إلى ركبتيه، واضعاً يديه على فخذيه، ثم يقول له سائلاً: ( أخبرني يا محمد! عن الإيمان ) فيجيبه الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: ( الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فيقول: صدقت. قالوا: فعجبنا له يسأله ويصدقه )، وسأله عن الإسلام وعن الإحسان.

سأله عن الإسلام، إذ الدين الإسلامي مبناه ثلاثة دعائم: الإسلام، والإيمان، والإحسان، فلا إسلام بلا إيمان، ولا إيمان بلا إسلام، ولا إسلام ولا إيمان بلا إحسان.

والقرآن الكريم ذكر هذه الأركان الستة، خمسة منها في سورة البقرة، والسادس في سورة القمر.

إذاً: مستعدون لأن نؤمن بكل ما أمرنا الله ورسوله، أن نؤمن به، ونبني إيماننا على هذه الأركان الستة، ونبقى مستعدين إذا أخبرنا الله أو الرسول بخبر أن نؤمن به.

وإليكم الحادثة التالية: كان عليه الصلاة والسلام بين رجاله يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة في المسجد، فأوحي إليه أثناء جلوسه: بأن بقرة من الأبقار كان يركبها عبد من العبيد في بني إسرائيل، فرفعت البقرة رأسها هكذا وقالت لراكبها: ما لهذا خلقت! -أي: ما خلقني الله للركوب عليَّ كالبغال والحمير والخيول والإبل- ولكن خلقت للحرث، فلما بلغت الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القضية أمسك بلحيته وقال: ( آمنت به، آمنت به، آمنت به، وآمن به أبو بكر وعمر ) وهما غائبان.

والشاهد: أنه آمن بما أُخبر، ولهذا نحن مستعدون لأن نؤمن بكل ما أمرنا الله أن نؤمن به، وبكل ما أخبرنا الرسول عن الله عز وجل، ولكن هذه الأركان الستة عليها مدار الحياة، إن سقط ركن تهاوت وكفر العبد.

فالعقيدة هي الروح، وإذا حييَ العبد فمره بالصلاة، والجهاد، والزكاة، والغسل في الليلة الباردة يفعل، أما وما آمن فإن الأموات لا تكلف؟! ومن لم تسلم عقيدته ما نجا أبداً، ومن فقدها لم يقو على التكاليف ولا على النهوض بالواجبات وترك المحرمات، فالإيمان بالله رباً وإلهاً أولاً. ثم الركن الثاني: الإيمان بالملائكة. وثالثاً: الإيمان بالكتب. وها نحن مع الإيمان بالقرآن؛ لأنه ناسخ لما قبله، وعليه مدار الدين والسعادة معاً، فهيا بنا!

قال المؤلف: [الفصل السابع: الإيمان بالقرآن الكريم] والمراد بالقرآن الكريم هو القرآن العظيم المحفوظ في صدورنا والمكتوب بسطورنا [يؤمن المسلم] المسلم هو الذي أسلم أي: أعطى قلبه ووجهه لله، فلا يتقلب قلبه إلا في طلب رضا الله، ولا يرى غير الله ينفعه أو يضره، ويعطيه أو يمنعه، ويعزه أو يذله، ويسعده أو يشقيه، هذا هو المسلم [بأن القرآن الكريم كتاب الله أنزله على خير خلقه وأفضل أنبيائه ورسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنزل غيره من الكتب على من سبق من الرسل] أي: سبق نبينا وكان قبله في هذه الدنيا والحياة [وأنه] أي: القرآن الكريم [نسخ بأحكامه سائر الأحكام في الكتب السماوية السابقة كما ختم برسالة صاحبه كل رسالة سابقة].

أقول: (كما أنزل الله غيره)، أي: كما أنزل الله غيره من الكتب على من سبق من الرسل، ونؤمن أنه نسخ بأحكامه سائر الأحكام في الكتب السماوية السابقة، كما ختم بنبيه سائر الأنبياء والرسل وبرسالته سائر الرسالات.

[ وأنه الكتاب الشامل لأعظم تشريع] فهو الكتاب الجامع الشامل لكل تشريع أو لأعظم تشريع [ رباني] أي: منسوب إلى الرب عز وجل [تكفل منزله] جل جلاله وعظم سلطانه [ لمن أخذ به أن يسعد في الحياتين] تكفل منزله وهو الله جل جلاله، لمن أخذ به أن يسعد في الحياتين: الدنيا والحياة الآتية بعد الموت [وتوعد من أعرض عنه فلم يأخذ به بالشقاوة في الدارين] بالشقاوة في هذه الدار والدار الآخرة [وأنه الكتاب الوحيد الذي ضمن الله سلامته من النقص والزيادة، ومن التبديل والتغيير، وبقاءه حتى يرفعه إليه عند آخر أجل هذه الحياة].

تأملوا! القرآن حفظه الله من التبديل والتغيير وحفظ بقاءه؛ حتى يرفعه إليه عند آخر أجل هذه الحياة، أما الكتب السماوية السابقة فما تولى الله حفظها، وأسندها إلى أهلها فداخلها الزيادة والنقص والتبديل والتغيير، فالإنجيل أصبح خمسة أناجيل، والتوراة أصبح ثلاثة أرباعها أباطيل، أما القرآن الكريم فقد تكفل الله بحفظه إذ قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، ولو اجتمعت الأمة كلها على أن تقطع أو تسقط آية أو بعض آية من كتاب الله ما قدرت ولا أمكنها ذلك، وقد حاول العدو، وعقد المؤتمرات من أجل ذلك، فإسقاط كلمة (قل) فقط وهي حرفان: القاف واللام، عقد في السودان من أجلها أكابر رجال الكنيسة مؤتمراً: لزعزعة قلوب المسلمين، بقول: إن هذا القرآن ليس كلام الله وإنما من كلام محمد فقط، وأنه تربى في الصحراء الحارة ففاضت نفسه بهذه العلوم، لأن كلمة (قل) تعني أن هناك من يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يأمر نفسه. فقالوا: إن حذفنا (قل) أمكننا أن نقول: إن هذا الكلام كلام محمد فقط وليس من كلام الله، فعجزوا وما استطاعوا، فكيف يحذفونها والقرآن محفوظ في صدور الملايين؟!

قال: [ وذلك للأدلة النقلية والعقلية التالية] أي: فإليكم الأدلة النقلية والعقلية لهذه الحقيقة.

ثانياً: إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزل عليه بذلك

[ثانياً: إخبار رسول الله المنزل عليه صلى الله عليه وسلم في قوله: (ألا)] وألا هي ألو.

[(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)] أي: أعطيت الكتاب الذي هو القرآن، (ومثله معه): من الحكم والعلوم والمعارف؛ فلهذا لو دعى داع: أن نكتفي بالقرآن فقد كفر وما أقام دين الله، وهلك مع الهالكين، فلا بد من السنة النبوية.

ومثال واضح: لو أن قائلاً قال: لا إله إلا الله فقط، ولم يقل: محمد رسول الله، ما نفعه، ولا دخل في الإسلام. فالذي يقول: أنا يكفيني القرآن ولا أقول بالسنة كفر شر كفر والعياذ بالله؛ لأن الرسول أُسند إليه بيان القرآن وتفصيله، فالصلاة ذكرت في القرآن ولم يذكر عدد ركعاتها. وهذا مثال واحد فقط.

[وفي قوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)] فلنحفظ هذه الجملة: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، ولنرددها، فهي ذات قيمة، والله إنها لتزن الدنيا بما فيها، فهذه كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم الذي أعطاه الله، فخيركم يا بني الإسلام من تعلم القرآن وعلمه، ومن لم يعلمه فليتعلم حتى يفوز بنصف الأجر، ومن لم يعلم ولم يتعلم فلا أجر له ولا دخل في باب الخيرية: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، فالقرآن كتاب الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم.

قولوا لأولادكم تعلموا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )!

أسمعها لأولادك حتى يرغبوا في تعلم القرآن، أما إذا لم يسمعوها منك فأنى له أن يتعلموا؟! والجملة ليست صعبة: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )!

[وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا حسد إلا في اثنتين )] الحسد حرام فهو اعتراض على الله في قسمته وعطائه لعباده، وويل للحاسدين، ونعوذ بالله من شرهم، هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا اثنين أو رجلين الحسد فيهما لا بأس به، والذي رخص في هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي أوتي القرآن ومثله معه فقال:[( لا حسد إلا في اثنتين)] الأولى: [ (رجل آتاه الله القرآن )] أي: أعطاه حفظه [( فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار )] أي: ساعات الليل وساعات النهار. ومعنى يتلوه: يقرؤه، فهو يقرؤه أول النهار وأول الليل، ساعات النهار وساعات الليل، فإذا غبطت أنت هذا الرجل وقلت: لئن أعطاني ربي مثله لفعلت فلا بأس [( ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار )] إذا رأيت رجلاً مؤمناً كريماً سخياً ينفق فقلت: لو أعطاني ربي لفعلت كما فعل فلك مثل أجره، ولو رأيت حافظاً لكتاب الله يردده ويتلوه في الصباح والمساء فقلت: لو يعطيني الله مثله لفعلت. لكان لك مثل أجره.

وصلوا إلى هذا المستوى بالنية الصادقة، فإن رأى من ينفق من المال على المحاويج والفقراء والمساكين فقال: آه! لو أعطاني ربي مثلما أعطاه لفعلت كما فعل. فهو شريكه في الأجر بالنية الصادقة.

أو رأى من يتلو القرآن آناء الليل والنهار، فقال: آه! لو حفظت القرآن لفعلت كما فعل. فيعطى من الأجر مثله، هدية من الله وعطية، والشاهد عندنا، وهذا دليل أن القرآن كلام الله هو الذي أنزله وأوحاه.

[وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر )] (ما من نبي من الأنبياء) وهم ألوف (إلا وقد أعطي). أي: أعطاه الله (من الآيات) أي المعجزات والكرامات (ما مثله آمن عليه البشر) [( وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )] قال: ما من نبي من الأنبياء إلا وأعطي معجزات على مثلها آمن البشر وأنا أعطيت القرآن، ومع أنه أعطي آلاف المعجزات لكن لا قيمة لها مع القرآن الكريم، فالمعجزة تنتهي في يومها، ولكن معجزة القرآن هي المعجزة الخالدة.

( فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) إي والله لهو أكثرهم تابعاً يوم القيامة، فالنبي يأتي ومعه الرجل والرجلان، ويجيء محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أمة عظيمة، ولك أن تحسب أعداد المؤمنين طوال ألف وأربعمائة سنة وهم يتوالدون، فلو انتهى الدين في القرن الأول كما حصل لعيسى وغيره لكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم بفضل الله ثم بهذا الكتاب الخالد المحفوظ أمته يوم القيامة أكثر الأمم بلا جدال.

[وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( لو كان موسى أو عيسى حياً لم يسعه إلا اتباعي )] لو كان موسى أو عيسى حياً وبعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما وسعه إلا أن يتبعه ونسخ ما كان عنده، فقد وقف تياره ونوره وجاء النور الخاتم؛ ولهذا كل الأمم التي أعرضت عن الإسلام كافرة، ولو عبدت الله وتصدقت وأنشأت من المستشفيات وتبرعت بالأموال فلن يغني عنها شيئاً؛ إذ يجب أن يسلموا بالدخول مع محمد صلى الله عليه وسلم، ليس هناك حيلة إلا أن يمشي وراءه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله ختم برسالته الرسالات، وختم بالقرآن الكتب، فنسخ بالقرآن كل الكتب والرسالات، فكيف يعبد الله بما نسخ، ونعبر للعوام في النسخ: بأنه إذا أصدرت الحكومة قراراً كانت تأخذ أو تعطي به ثم أبطلت ذلكم القرار، فهل هناك من يحتج ويفعل به؟ مستحيل! لأنهم أوقفوا العمل بذلكم القرار.

ثالثاً: إيمان البلايين من المسلمين بأن القرآن كتاب الله ووحيه أوحاه إلى رسوله

[ثالثاً: إيمان البلايين من المسلمين بأن القرآن كتاب الله ووحيه أوحاه إلى رسوله واعتقادهم الجازم بذلك مع تلاوتهم، وحفظ أكثرهم له، وعملهم بما فيه من شرعه وأحكامه] وهذا دليل قوي، فبلايين البشر آمنوا فكيف تكذب أنت بالقرآن؟

وهذه الأدلة النقلية المنقولة من الكتاب والسنة.

[ثانياً: إخبار رسول الله المنزل عليه صلى الله عليه وسلم في قوله: (ألا)] وألا هي ألو.

[(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)] أي: أعطيت الكتاب الذي هو القرآن، (ومثله معه): من الحكم والعلوم والمعارف؛ فلهذا لو دعى داع: أن نكتفي بالقرآن فقد كفر وما أقام دين الله، وهلك مع الهالكين، فلا بد من السنة النبوية.

ومثال واضح: لو أن قائلاً قال: لا إله إلا الله فقط، ولم يقل: محمد رسول الله، ما نفعه، ولا دخل في الإسلام. فالذي يقول: أنا يكفيني القرآن ولا أقول بالسنة كفر شر كفر والعياذ بالله؛ لأن الرسول أُسند إليه بيان القرآن وتفصيله، فالصلاة ذكرت في القرآن ولم يذكر عدد ركعاتها. وهذا مثال واحد فقط.

[وفي قوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)] فلنحفظ هذه الجملة: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، ولنرددها، فهي ذات قيمة، والله إنها لتزن الدنيا بما فيها، فهذه كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم الذي أعطاه الله، فخيركم يا بني الإسلام من تعلم القرآن وعلمه، ومن لم يعلمه فليتعلم حتى يفوز بنصف الأجر، ومن لم يعلم ولم يتعلم فلا أجر له ولا دخل في باب الخيرية: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، فالقرآن كتاب الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم.

قولوا لأولادكم تعلموا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )!

أسمعها لأولادك حتى يرغبوا في تعلم القرآن، أما إذا لم يسمعوها منك فأنى له أن يتعلموا؟! والجملة ليست صعبة: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )!

[وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا حسد إلا في اثنتين )] الحسد حرام فهو اعتراض على الله في قسمته وعطائه لعباده، وويل للحاسدين، ونعوذ بالله من شرهم، هذا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا اثنين أو رجلين الحسد فيهما لا بأس به، والذي رخص في هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي أوتي القرآن ومثله معه فقال:[( لا حسد إلا في اثنتين)] الأولى: [ (رجل آتاه الله القرآن )] أي: أعطاه حفظه [( فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار )] أي: ساعات الليل وساعات النهار. ومعنى يتلوه: يقرؤه، فهو يقرؤه أول النهار وأول الليل، ساعات النهار وساعات الليل، فإذا غبطت أنت هذا الرجل وقلت: لئن أعطاني ربي مثله لفعلت فلا بأس [( ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار )] إذا رأيت رجلاً مؤمناً كريماً سخياً ينفق فقلت: لو أعطاني ربي لفعلت كما فعل فلك مثل أجره، ولو رأيت حافظاً لكتاب الله يردده ويتلوه في الصباح والمساء فقلت: لو يعطيني الله مثله لفعلت. لكان لك مثل أجره.

وصلوا إلى هذا المستوى بالنية الصادقة، فإن رأى من ينفق من المال على المحاويج والفقراء والمساكين فقال: آه! لو أعطاني ربي مثلما أعطاه لفعلت كما فعل. فهو شريكه في الأجر بالنية الصادقة.

أو رأى من يتلو القرآن آناء الليل والنهار، فقال: آه! لو حفظت القرآن لفعلت كما فعل. فيعطى من الأجر مثله، هدية من الله وعطية، والشاهد عندنا، وهذا دليل أن القرآن كلام الله هو الذي أنزله وأوحاه.

[وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر )] (ما من نبي من الأنبياء) وهم ألوف (إلا وقد أعطي). أي: أعطاه الله (من الآيات) أي المعجزات والكرامات (ما مثله آمن عليه البشر) [( وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )] قال: ما من نبي من الأنبياء إلا وأعطي معجزات على مثلها آمن البشر وأنا أعطيت القرآن، ومع أنه أعطي آلاف المعجزات لكن لا قيمة لها مع القرآن الكريم، فالمعجزة تنتهي في يومها، ولكن معجزة القرآن هي المعجزة الخالدة.

( فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) إي والله لهو أكثرهم تابعاً يوم القيامة، فالنبي يأتي ومعه الرجل والرجلان، ويجيء محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أمة عظيمة، ولك أن تحسب أعداد المؤمنين طوال ألف وأربعمائة سنة وهم يتوالدون، فلو انتهى الدين في القرن الأول كما حصل لعيسى وغيره لكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم بفضل الله ثم بهذا الكتاب الخالد المحفوظ أمته يوم القيامة أكثر الأمم بلا جدال.

[وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( لو كان موسى أو عيسى حياً لم يسعه إلا اتباعي )] لو كان موسى أو عيسى حياً وبعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما وسعه إلا أن يتبعه ونسخ ما كان عنده، فقد وقف تياره ونوره وجاء النور الخاتم؛ ولهذا كل الأمم التي أعرضت عن الإسلام كافرة، ولو عبدت الله وتصدقت وأنشأت من المستشفيات وتبرعت بالأموال فلن يغني عنها شيئاً؛ إذ يجب أن يسلموا بالدخول مع محمد صلى الله عليه وسلم، ليس هناك حيلة إلا أن يمشي وراءه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله ختم برسالته الرسالات، وختم بالقرآن الكتب، فنسخ بالقرآن كل الكتب والرسالات، فكيف يعبد الله بما نسخ، ونعبر للعوام في النسخ: بأنه إذا أصدرت الحكومة قراراً كانت تأخذ أو تعطي به ثم أبطلت ذلكم القرار، فهل هناك من يحتج ويفعل به؟ مستحيل! لأنهم أوقفوا العمل بذلكم القرار.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4154 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4080 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3866 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3861 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3833 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3821 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3745 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3643 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3628 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3606 استماع