الصدامات الطائفية بمصر..أسباب وتداعيات - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
مواجهات طائفية بمصر من وقت لآخر تندلع صدامات طائفية في مصر بين المسلمين والأقباط ويسقط عدد من القتلى والمصابين وتنطلق التحليلات على الفضائيات ومواقع الإنترنت عن أسباب الأزمة، ثم تهدأ الأمور قليلا قبل أن تعود للاشتعال من جديد..
حدث هذا مرارا قبل الثورة وسيحدث أيضا كثيرا بعد الثورة ما دامت الأسباب ما زالت قائمة.. لو رجعنا لتعامل النظام البائد في مصر مع الأحداث الطائفية قبل أن نتحدث عن الصدامات الأخيرة، سنجد أن طريقته هي أساس المشكلة التي تعاني منها البلاد الآن؛ فلقد ترك مبارك منذ 30 عاما الحبل على الغارب للكنيسة للتدخل السياسي في جميع القضايا حتى أصبحت هي المرجع لدى الأقباط عند حدوث أي مشكلة، ونحّى النظام السابق القانون تماما عند التعامل مع الخلافات الطائفية، وكان زعماء الأقباط يتوجهون مباشرة للرئاسة التي كانت تستجيب دائما لمطالبهم في معزل عن القانون، كما حدث في قضية وفاء قسطنطين ـ زوجة الكاهن التي أسلمت ـ حيث تم تسليمها للكنيسة بأوامر من زكريا عزمي مساعد مبارك المقرب دون إذن من النيابة ودون علم القضاء، ولا يعرف مصيرها منذ سنوات، وكما حدث كذلك عند القبض على عدد من الأقباط في قضايا مختلفة حيث يتم الإفراج عنهم بعد تدخل شنودة أو تهديده بالاعتكاف، هذا الأمر أعطى المسلمين شعورا بأن الأقباط لا يعيشون معهم في هذا الوطن ولا يشتركون معهم في المساءلة القانونية وأنهم مسنودون من الخارج ويفعلون ما يريدون بسبب خوف النظام السابق على نفسه وخشيته من ضغوط الدول الغربية.. في نفس الوقت هناك شحذ مبالغ فيه من أقباط المهجر الذين علموا مدى ضعف النظام السابق أمام الغرب فبدأوا يلاعبونه عن طريق الاتصال بمنظمات غربية مشبوهة تارة والاتصال بالكونجرس لوقف المعونات تارة وتكوين منظمات تدعو المجتمع الدولي "للتدخل لحماية الأقباط من بطش المسلمين" مع فبركة حوادث لا أساس لها من الصحة عن اختطاف واغتصاب "المسيحيات" وإجبارهن على الإسلام تارة أخرى، وكان نظام مبارك يقف متفرجا معظم الوقت على هذا الهجوم وإذا تحرك يتحرك كمن "على رأسه بطحة" فيقوم بتقديم تنازلات للأقباط حتى يهدأوا ويحاول استمالة أقباط المهجر بشتى الطرق، أما قيادات الكنيسة في مصر فتنفي اتصالها بأقباط المهجر بينما عند زيارتها لأمريكا تلتقي بهم وتستخدمهم للضغط على الحكومة في كثير من الاحيان، وهي طريقة معروفة في توزيع الادوار تمارسها الكنيسة بإتقان، أضف إلى ذلك أن النظام السابق كان دوما يريد إشعار "المسيحيين" بأنه يحميهم من الإسلاميين ولو بتدبير حوادث مفتعلة من حين للآخر كحادثة كنيسة القديسين الذي ثبت تورط الأمن فيها، وهذا حتى يضمن تاييدهم له، ونجح في ذلك إلى حد كبير لدرجة أن زعيم الأقباط المدعو شنودة خرج على التلفاز أيام الثورة معلنا تأييده لمبارك ـ لاحظ أننا لم نستمع لانتقاد من العلمانيين لهذا الموقف الانتهازي المعارض لإرادة الشعب وهم الذين يتفنون الآن في كيل الاتهامات للإسلاميين الذين كانوا من أهم عناصر الثورة ـ على الجهة الأخرى لم يجد المسلمون أي موقف حاسم للنظام تجاه تجاوزات الأقباط خصوصا في قضية اختطاف المسلمات الجدد وحبسهن في المنازل التابعة للأديرة لإجبارهن على الرجوع "للمسيحية" حتى وصل الأمر لخروج أحد الدعاة لتأكيد مقتل وفاء قسطنطين وتحدى الكنيسة أن تخرجها من مخبئها ولم يحرك النظام ساكنا،أو في تهجم بعض القساوسة على الإسلام والمسلمين مثلما فعل الرجل الثاني في الكنيسة عندما ادعى أن المسلمين ضيوف على الأقباط في مصر وزعم تحريف القرآن.. مما سبق يمكن فهم ملابسات الصدامات الأخيرة فرغم أن القضاء بعد الثورة طلب حضور كاميليا للتحقيق معها ـ زوجة أخرى لأحد القساوسة أعلنت إسلامها قبل اختطافها ـ إلا أن الكنيسة واصلت عنادها ورفضت مثولها للتحقيق والادهى من ذلك أنها سمحت لها أن تظهر على قناة الحياة المعروفة بهجومها الدائم على الإسلام والمسلمين والتي كانت الكنيسة تتبرأ منها ظاهريا ثم اتضح أنها جزء من استراتيجيتها الخبيثة، طبعا ظهور كاميليا على قناة الحياة جاء عبر دائرة تليفزيونية من مكان لم يكشف عنه وكان معها ابنها الصغير وبجانبها أحد القساوسة ـ لعله زوجها السابق أو شيء من هذا القبيل ـ وقالت أنها لا تريد أن ينشغل الناس بها بل ينشغلوا بمستقبل البلاد، والسؤال الساذج الذي لا يمكن لطفل صغير تجاهله: ألا يمكن أن تكون هذه المرأة مهددة ومحبوسة هي وولدها في هذا المكان ومضطرة لأن تقول هذا الكلام حتى لا تعذب أو تقتل أو يأخذوا منها ولدها؟ وإذا كانت فعلا لم تسلم لماذا اختفت طوال هذه المدة وعندما سأل أحد الصحفيين شنودة عن مكانها أثناء فورة الأحداث رد ببجاحة منقطعة النظير "وانت مالك؟!" هل هذه طريقة تعامل زعيم ديني مع قضية حساسة كهذه؟ ما هذا الغرور والاستعلاء؟ ثم لماذا لم تظهر أمام النيابة أو في التليفزيون المصري مع تأمين الحماية الكافية لها؟
المهم في ظل هذا الوضع تم اختطاف امرأة أخرى كانت قد أسلمت وثبت بالفعل وعلى لسانها في اتصال تليفوني لبرنامج الميدان على فضائية التحرير أنها اختطفت من قبل أهلها وسلموها للكنيسة التي حبستها في عدة أماكن منها المكان الذي اشتعلت فيه الأحداث الأخيرة في إمبابة، الغريب هنا أن زوجها المسلم عندما ذهب ليبحث عنها في هذا المكان تم إطلاق النار عليه من أحد بيوت "المسيحيين" والذي تم تفتيشه فيما بعد ووجد فيه كمية كبيرة من الأسلحة من أين جاءت هذه الأسلحة ولماذا؟ مع العلم أن الكنيسة تستخدم مجموعة من البيوت القريبة منها والتابعة لها في أغراض خاصة مثل حبس الفتيات كما تبين من قضية عبير الأخيرة وليس من المستبعد بعد أن كثر الحديث عن تخزين الأسلحة في الكنائس عقب الثورة أن يكون تم نقل الأسلحة إلى هذه البيوت حتى لا تتعرض الكنائس للمساءلة، المهم هنا أن عدم تطبيق القانون قبل وبعد الثورة على الكنيسة في هذه القضية الحساسة هو الذي أشعل وسيشعل المزيد من الحوادث الطائفية.. وبالطبع لا يمكن تجاهل عدم تقدير بعض الجماعات السلفية لحساسية الظروف التي تعيشها البلاد الآن فليس معنى أن معك حق في قضية ما ألا تزن الأمور بميزان المصالح والمفاسد وتضع نفسك في موقف يتم استدراجك له وتظهر كأنك أنت المعتدي ، فالتوجه إلى بيت "مسيحي" أو إلى كنيسة والتجمهر عندها في هذا التوقيت لا يمكن توقع عواقبه، كما أن التظاهر بوجه عام ينبغي أن يحاط بضوابط كثيرة حتى لا يؤدي إلى مفاسد جمة، الآن نسي الجميع تفاصيل الحادثة التي تدين الكنيسة تماما وأصبح السلفيون في قفص الاتهام ..ساهم بعض السلفيين بتسرعهم وعدم إحسان تقدير الأمور في إعطاء مبررات لهذا الهجوم بينما تكفل العلمانيون بوضع التوابل والبهارات ليواصلوا حملتهم المشبوهة على التيار السلفي والتي بدأت بعد الثورة واشتدت بعد الاستفتاء على تعديل الدستور.. في مقال سابق لفتنا إلى ضرورة تعامل السلفيين مع الواقع السياسي بوعي وحكمة وبمنظور فقهي دقيق وقد جاءت هذه الحادثة لتؤكد على ما قلناه سابقا.
8/6/1432 هـ