دروس في العقيدة [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن موضوع أنواع التوحيد الثلاثة هو أول ما نطرقه، حيث إن الطحاوي رحمه الله بدأ رسالته بقوله: [ نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا إله غيره ].

والتوحيد معناه في اللغة: الإفراد، فالله تعالى هو المتوحد بكمال الجلال والجمال، فهو الذي لا يشابهه غيره سبحانه وتعالى، والموحد هو الذي أفرد الله ووحده.

والتوحيد عند أهل العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي الأقسام المعروفة بتوحيد الربوبية وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأقسام الثلاثة دليلها الاستقراء والتتبع؛ فإن العلماء استقرءوا النصوص وتتبعوها، فوجدوا أن التوحيد ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية والعبادة.

ولابد في الإيمان من توحيد الله تعالى بهذه الأنواع الثلاثة كلها، فمن لم يوحد الله بهذه الأنواع الثلاثة فليس بمؤمن، فلابد لصحة الإيمان من توحيد الله في ربوبيته، وتوحيد الله في إلهيته وعبادته، وتوحيد الله في أسمائه وصفاته، فمن وحد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وشهد أن محمداً رسول الله، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، وصدق برسالته، والتزم وعمل بالشريعة، ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام؛ فهو المؤمن، وإن فعل شيئاً من المعاصي دون الشرك، ودون الناقض فلا يخرجه ذلك عن ملة الإسلام، لكنه إذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب يكون ناقص الإيمان، ويكون فاسقاً، إلا إذا تاب، ومن تاب تاب الله عليه.

فلابد للمؤمن من أن يعترف بوجود الله، وأن الله فوق العرش له ذات لا تشبه الذوات سبحانه وتعالى، ولابد من أن يعترف بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأن الله هو الخالق وغيره مخلوق، وأن الله هو المالك وغيره مملوك، وأن الله هو المدبر وغيره مدبَّر، وهذا يسمى توحيد الربوبية، وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه وتعالى، ومن أفعاله: الخلق، والرزق، والإماتة والإحياء، وتدبير الأمور.

إقرار المشركين بتوحيد الربوبية

وتوحيد الربوبية نوع فطري، فطر الله عليه جميع الخلق، فكلهم مقرون بهذا التوحيد، حتى الكفرة، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:61]، وقال سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، وقال سبحانه: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89].

إذاً: فالمشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من كفار مكة كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، وكذلك سائر الأمم، فقوم نوح وقوم هود وقوم صالح كلهم كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، ولكن توحيد الله في ربوبيته، والإقرار بهذا النوع من التوحيد لا يكفي في الإيمان، ولا يكفي في الدخول في الإسلام، فالمشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، ومع ذلك كفرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقاتلهم واستحل دماءهم وأموالهم؛ لأنهم لم يوحدوا الله في عبادته وإلهيته، نعم توحيد الله في ربوبيته حق، وهو أحد أنواع التوحيد ولابد منه، لكنه لا يكفي وحده، إذ لابد من أن يضم إليه الإنسان توحيد الله في عبادته وإلهيته وأسمائه وصفاته.

وتوحيد الربوبية نوع فطري، فطر الله عليه جميع الخلق، فكلهم مقرون بهذا التوحيد، حتى الكفرة، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:61]، وقال سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، وقال سبحانه: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89].

إذاً: فالمشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من كفار مكة كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، وكذلك سائر الأمم، فقوم نوح وقوم هود وقوم صالح كلهم كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، ولكن توحيد الله في ربوبيته، والإقرار بهذا النوع من التوحيد لا يكفي في الإيمان، ولا يكفي في الدخول في الإسلام، فالمشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد، ومع ذلك كفرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقاتلهم واستحل دماءهم وأموالهم؛ لأنهم لم يوحدوا الله في عبادته وإلهيته، نعم توحيد الله في ربوبيته حق، وهو أحد أنواع التوحيد ولابد منه، لكنه لا يكفي وحده، إذ لابد من أن يضم إليه الإنسان توحيد الله في عبادته وإلهيته وأسمائه وصفاته.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن موضوع أنواع التوحيد الثلاثة هو أول ما نطرقه، حيث إن الطحاوي رحمه الله بدأ رسالته بقوله: [ نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا إله غيره ].

والتوحيد معناه في اللغة: الإفراد، فالله تعالى هو المتوحد بكمال الجلال والجمال، فهو الذي لا يشابهه غيره سبحانه وتعالى، والموحد هو الذي أفرد الله ووحده.

والتوحيد عند أهل العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي الأقسام المعروفة بتوحيد الربوبية وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأقسام الثلاثة دليلها الاستقراء والتتبع؛ فإن العلماء استقرءوا النصوص وتتبعوها، فوجدوا أن التوحيد ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية والعبادة.

ولابد في الإيمان من توحيد الله تعالى بهذه الأنواع الثلاثة كلها، فمن لم يوحد الله بهذه الأنواع الثلاثة فليس بمؤمن، فلابد لصحة الإيمان من توحيد الله في ربوبيته، وتوحيد الله في إلهيته وعبادته، وتوحيد الله في أسمائه وصفاته، فمن وحد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وشهد أن محمداً رسول الله، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، وصدق برسالته، والتزم وعمل بالشريعة، ولم يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام؛ فهو المؤمن، وإن فعل شيئاً من المعاصي دون الشرك، ودون الناقض فلا يخرجه ذلك عن ملة الإسلام، لكنه إذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب يكون ناقص الإيمان، ويكون فاسقاً، إلا إذا تاب، ومن تاب تاب الله عليه.

فلابد للمؤمن من أن يعترف بوجود الله، وأن الله فوق العرش له ذات لا تشبه الذوات سبحانه وتعالى، ولابد من أن يعترف بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأن الله هو الخالق وغيره مخلوق، وأن الله هو المالك وغيره مملوك، وأن الله هو المدبر وغيره مدبَّر، وهذا يسمى توحيد الربوبية، وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه وتعالى، ومن أفعاله: الخلق، والرزق، والإماتة والإحياء، وتدبير الأمور.

الدهرية

وهذا النوع من توحيد الربوبية -مع أنه فطري فطر الله عليه جميع الخلق، وأقر به جميع فرق المجموعة البشرية- أنكرته بعض الطوائف شذوذاً، فأنكروا وجود الله، والعياذ بالله، فهؤلاء شذوا، وفسدت فطرتهم، وعميت بصائرهم، وخرجوا عما أطبقت عليه جميع طوائف بني آدم من الإقرار بوجود الله والاعتراف به والإقرار بربوبيته، فهؤلاء -والعياذ بالله- انحدروا إلى هوة سحيقة في عمى البصيرة، وفساد الفطرة، حيث أنكروا وجود الرب العظيم.

ومن هذه الطوائف التي شذت وأنكرت توحيد الربوبية: طائفة الدهرية، وهم الذين يزعمون أن العالم يسير بنفسه، وليس له مدبر، بل هو الذي يدبر نفسه بنفسه، وقالوا ما حكى الله عنهم في القرآن الكريم: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، فهؤلاء الدهريون أنكروا الرب سبحانه وتعالى، وقالوا: إن العالم هو الذي يسير نفسه، وليس له مدبر ولا مسير، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

والشيوعيون دهرية في الجانب الفكري والاعتقادي، فهم يقولون: لا إله، والحياة مادة، فهذه هي عقيدة الشيوعية، أما عقيدة المسلمين فهي توحيد، فيقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فالمؤمنون يوحدون الله، والشيوعيون عقيدتهم أنه لا إله، والحياة مادة، فيعبدون المادة، وينفون الإله، ولا يثبتون لهذا الكون رباً ولا إلهاً ولا مدبراً، فهم دهرية في الجانب الفكري.

وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن الدهرية فرقتان:

الفرقة الأولى من الدهرية يقولون: إن الله تعالى خلق الأفلاك متحركة أعظم حركة، فدارت عليه وأحرقته، ولم يقدر على ضبطها وإمساك حركتها، فبقيت بلا مدبر.

والفرقة الثانية يقولون: إن هذا العلام ليس له أول البتة، وإنما يخرج ما كان بالقوة إلى الفعل، فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل تكونت الأشياء من ذاتها لا من شيء آخر، ويقولون: لا يمكن أن يخلق المبدع شيئاً يضمحل ويفنى إلا وهو يضمحل ويفنى مع خلقه، وقالوا: إن هذا العالم هو الممسك بنفسه لهذه الأجزاء التي هي فيه، نسأل الله السلامة والعافية.

وهؤلاء الدهرية فساد فطرتهم وعمى بصيرتهم ظاهر لكل أحد، ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى رد عليهم في القرآن الكريم لما حكى مقالتهم: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، فقال الله رداً عليهم: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24]، أي أن هؤلاء ليس لهم على هذه المقالة دليل ناتج عن علم، وليس لهم دليل عقلي ولا سمعي، ليس لهم دليل من الشرع ولا من العقل ولا من الفطرة، ومن كان هذا شأنه فلا يلتفت إليه في ميزان العلم، وكل قول ليس عليه دليل من العقل ولا من الشرع ولا من الفطرة فهو قول فاسد، وعلى صاحبه أن يثبته، وإلا فإن كلامه هذيان وفساد، ولهذا قال الله تعالى: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24]، يعني: ليس لهم دليل دلهم على هذه المقالة من الشرع ولا من العقل ولا من الفطرة ولا من الحس ولا من الواقع، فتبين أن هؤلاء القوم عميت بصائرهم، وخرجوا عن ضرورات العقلاء، وبنوا آدم جميعاً يثبتون وجود الله، ويثبتون الخالق ضرورة، من دون احتياج إلى نظر وتأمل، فالله تعالى فطر الخلق على الإقرار بوجود الله، والإقرار بربوبيته، وأنه الخالق المدبر المتصرف سبحانه وتعالى.

الطبيعيون

الطائفة الثانية من الطوائف التي شذت عن المجموعة البشرية وأنكرت الرب العظيم: الطبيعيون، وهم الذين يقولون: إن العالم وجد نتيجة للطبيعة، والطبيعة يفسرونها بتفسيرين:

التفسير الأول: أنها عبارة عن ذات الأشياء، فذات النبات خلقت النبات، وذات الأرض خلقت الأرض، وذات السماء خلقت السماء، وذات الإنسان خلقت الإنسان، وذات الحيوان خلقت الحيوان، هكذا يقولون، وهذا من أفسد ما يقال من الأقوال؛ لأن معنى ذلك أن الشيء أوجد نفسه، فتكون الأرض خلقت الأرض، والسماء خلقت السماء، والإنسان خلق الإنسان، وهذا باطل، فلا يمكن أن يخلق الشيء نفسه؛ لأن الشيء قبل وجوده عدم، والعدم لا يمكن أن يوجد شيئاً، فالأرض كانت قبل وجودها عدماً، فكيف يخلق العدم ويوجد، والإنسان عدم قبل أن يخلق، والعدم ليس بشيء، فكيف يوجد ويخلق، ولهذا قال الله تعالى في كتابه العظيم: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36].

فلا يمكن أن يُوجِد شيء معدوم نفسه إلا بموجد، بل لابد له من موجد خالق، وهو الرب سبحانه وتعالى، وهو واجب الوجود بذاته سبحانه وتعالى، وهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الحي القيوم، القائم بنفسه المقيم لغيره سبحانه وتعالى، لا يلحقه نقص ولا عدم، بل هو واجب الوجود بذاته سبحانه وتعالى.

وأما المخلوقات فهي مخلوقة من العدم، والعدم لا يوجد نفسه، ولا يخلق ولا يوجد شيئاً، فالمعدوم لا يخلق نفسه ولابد له من خالق، ولهذا قال سبحانه: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35].

وقد ثبت في صحيح البخاري أن جبير بن مطعم رضي الله عنه قدم المدينة في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، حيث وضعت الحرب أوزارها فاختلط المشركون بالمسلمين، وهذا من الحكم العظيمة في صلح الحديبية، فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل الشروط -وإن كان فيها غضاضة على المسلمين- لأن فيها مصالح عظيمة، حيث تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم للكتابة للرؤساء والعشائر، واختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا القرآن، وأسلم جمع غفير منهم، وفي ذلك الزمن قدم جبير بن مطعم رضي الله عنه قبل أن يسلم إلى المدينة من مكة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ سورة الطور، وسمع هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] قال: فكاد قلبي أن يطير. فدبت الحياة فيه قبل أن يسلم، ثم بعد ذلك أسلم رضي الله عنه.

وأما تفسير الطبعيين الثاني للطبيعة فهو أنها عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها، فيقولون: هي صفات الأشياء وخصائصها من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والملاسة والخشونة، وكذلك المتقابلات من حركة وسكون، وتزاوج وتوالد، ونمو واغتذاء، فهذه الصفات وهذه المتقابلات هي الطبيعة عندهم، وهي التي أوجدت الأشياء، وهذا التفسير أفسد من التفسير الذي قبله؛ لأنه إذا عجزت ذات الأشياء عن إيجاد نفسها فعجز صفاتها من باب أولى، فإذا كانت الذات لا توجد ولا تخلق، فكيف تكون الصفة موجدة خالقة؟! بل إذا عجزت ذات الأشياء فعجز صفاتها من باب أولى، وهل الصفة تخلق الموصوف؟! فإذا كان الموصوف نفسه لا يستطيع أن يوجد نفسه، فكيف توجد الصفة نفسها؟!

ولأن الصفة تابعة للموصوف، والطبيعة حالة محضة لا شعور لها، فكيف توجد؟! وكيف تصدر عنها هذه الأفعال العظيمة، وهذه الأفلاك المنظمة المرتبة التي على أحسن نظام وأبدعه؟!

إن ذلك لا يمكن، ثم إن هذا التفاوت العظيم بين المخلوقات لابد من أن يحصل عن حكمة، فلو كانت الطبيعة هي الخالقة لكان الخلق متساوين غير متفاوتين! والمقصود أن هذا من أخبث ما يقال.

القائلون بالصدفة

الطائفة الثالثة من الطوائف التي شذت عن المجموعة البشرية وأنكرت الرب العظيم هم الذين يقولون: إن العالم وجد نتيجة للصدفة، بمعنى أن تجمع الذرات والجزئيات أدى إلى ظهور الحياة فجأة من غير تدبير ولا خالق، فقالوا: إن الذرات والجمعيات تجمعت، فلما تجمعت أدى هذا التجمع إلى ظهور الحياة فجأة وصدفة!

وهذا كلام لا يقوله عاقل، فهؤلاء صاروا يتكلمون بمثل كلام المجانين، ولا يمكن أن يقبل هذا الكلام عاقل؛ فإن من نظر إلى هذا الكون العظيم علويه وسفليه المنظم المرتب البديع، فسيقول هذه السماوات العظيمة من الذي أقامها؟!

وهذه الأرض من الذي بسطها؟! وكذلك هذه البحار، وهذه الأنهار، وهذه الأشجار.

وهذه الشمس كل يوم تخرج من المشرق وتغرب في المغرب ولا يختل نظامها، وهذا القمر يبدو صغيراً ضعيفاً في أول الشهر في المغرب، ثم يكبر حتى يتم منتصف الشهر، ثم يضعف إلى آخر الشهر ولا يتغيب.

وكذلك خلق الإنسان، فانظر إلى خلقك حينما كنت نطفة في بطن أمك، ثم خلق لك السمع والبصر والعقل، ثم خرجت إلى الدنيا، فهل يمكن أن يوجد هذا نتيجة للصدفة؟! تعالى الله، لكن هؤلاء الملاحدة ألغوا عقولهم، وصاروا كالمجانين، نسأل الله السلامة والعافية.

وما مقالتهم هذه إلا كمقالة من يقول: إن هناك انفجاراً انفجر في المطبعة، فتطايرت الحروف والأرقام، ولما تطايرت الحروف والأرقام جاءت الباء وصارت بجوار السين، والسين بجوار الميم، والميم بجوار الألف، وكذلك اللام والهاء والألف والراء والحاء والميم والنون، والألف والراء والحاء والياء والميم، فتكونت (بسم الله الرحمن الرحيم)، فجأة! ثم تطايرت الحروف وكونت: (الحمد لله رب العالمين)، وهكذا حتى تم الكتاب في مجلدات صدفة، فهل يقول هذا عاقل؟!

لا يقول هذا عاقل، وإذا كان هذا لا يمكن في تكون الكتاب؛ فكيف يتكون هذا العالم علويه وسفليه، المنظم المرتب البديع، الذي يحوي فصول السنة التي لا تختلف ولا تتغير، فشتاء وربيع وخريف وصيف على مر السنين والأعوام، كيفيتكون ذلك من غير مدبر؟!

الفرعونية

الطائفة الرابعة: الفرعونية، وعلى رأسهم فرعون، ففرعون أنكر الرب العظيم، وإن كان مستيقناً به في الباطن، لكنه كذب موسى وزعم أنه ليس لهذا العالم رب، وقال: وما رب العالمين؟ وهو تجاهل العارف، ولهذا كان أشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الخالق هو فرعون، وسار على طريقته الفرعونية الاتحادية الذين يقولون: إن الوجود واحد. فمذهبهم مذهب فرعون، وسيأتي أنهم يقولون: الوجود واحد متحد، فليس هناك رب ولا عبد، فالرب هو العبد والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، فأنت الخالق وأنت المخلوق، وأنت الرب وأنت العبد، ورئيسهم وزعيمهم ابن عربي الطائي.

فهؤلاء ينكرون وجود الله في الظاهر وإن كانوا مستيقنين بوجوده في الباطن، وسيأتي أن ابن عربي يقول: ليس هناك فرق بين الرب والعبد، ويقول:

الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك ميت أو قلت رب أنى يكلف

ويقول: (رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك).

فهؤلاء الملاحدة على طريقة فرعون، لا يثبتون وجوداً لله.

وهذه الطوائف الأربع شذت عن المجموعة البشرية وأنكروا وجود الرب الكريم، وأنكروا ربوبيته.

وهذا النوع من توحيد الربوبية -مع أنه فطري فطر الله عليه جميع الخلق، وأقر به جميع فرق المجموعة البشرية- أنكرته بعض الطوائف شذوذاً، فأنكروا وجود الله، والعياذ بالله، فهؤلاء شذوا، وفسدت فطرتهم، وعميت بصائرهم، وخرجوا عما أطبقت عليه جميع طوائف بني آدم من الإقرار بوجود الله والاعتراف به والإقرار بربوبيته، فهؤلاء -والعياذ بالله- انحدروا إلى هوة سحيقة في عمى البصيرة، وفساد الفطرة، حيث أنكروا وجود الرب العظيم.

ومن هذه الطوائف التي شذت وأنكرت توحيد الربوبية: طائفة الدهرية، وهم الذين يزعمون أن العالم يسير بنفسه، وليس له مدبر، بل هو الذي يدبر نفسه بنفسه، وقالوا ما حكى الله عنهم في القرآن الكريم: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، فهؤلاء الدهريون أنكروا الرب سبحانه وتعالى، وقالوا: إن العالم هو الذي يسير نفسه، وليس له مدبر ولا مسير، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

والشيوعيون دهرية في الجانب الفكري والاعتقادي، فهم يقولون: لا إله، والحياة مادة، فهذه هي عقيدة الشيوعية، أما عقيدة المسلمين فهي توحيد، فيقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فالمؤمنون يوحدون الله، والشيوعيون عقيدتهم أنه لا إله، والحياة مادة، فيعبدون المادة، وينفون الإله، ولا يثبتون لهذا الكون رباً ولا إلهاً ولا مدبراً، فهم دهرية في الجانب الفكري.

وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن الدهرية فرقتان:

الفرقة الأولى من الدهرية يقولون: إن الله تعالى خلق الأفلاك متحركة أعظم حركة، فدارت عليه وأحرقته، ولم يقدر على ضبطها وإمساك حركتها، فبقيت بلا مدبر.

والفرقة الثانية يقولون: إن هذا العلام ليس له أول البتة، وإنما يخرج ما كان بالقوة إلى الفعل، فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل تكونت الأشياء من ذاتها لا من شيء آخر، ويقولون: لا يمكن أن يخلق المبدع شيئاً يضمحل ويفنى إلا وهو يضمحل ويفنى مع خلقه، وقالوا: إن هذا العالم هو الممسك بنفسه لهذه الأجزاء التي هي فيه، نسأل الله السلامة والعافية.

وهؤلاء الدهرية فساد فطرتهم وعمى بصيرتهم ظاهر لكل أحد، ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى رد عليهم في القرآن الكريم لما حكى مقالتهم: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، فقال الله رداً عليهم: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24]، أي أن هؤلاء ليس لهم على هذه المقالة دليل ناتج عن علم، وليس لهم دليل عقلي ولا سمعي، ليس لهم دليل من الشرع ولا من العقل ولا من الفطرة، ومن كان هذا شأنه فلا يلتفت إليه في ميزان العلم، وكل قول ليس عليه دليل من العقل ولا من الشرع ولا من الفطرة فهو قول فاسد، وعلى صاحبه أن يثبته، وإلا فإن كلامه هذيان وفساد، ولهذا قال الله تعالى: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24]، يعني: ليس لهم دليل دلهم على هذه المقالة من الشرع ولا من العقل ولا من الفطرة ولا من الحس ولا من الواقع، فتبين أن هؤلاء القوم عميت بصائرهم، وخرجوا عن ضرورات العقلاء، وبنوا آدم جميعاً يثبتون وجود الله، ويثبتون الخالق ضرورة، من دون احتياج إلى نظر وتأمل، فالله تعالى فطر الخلق على الإقرار بوجود الله، والإقرار بربوبيته، وأنه الخالق المدبر المتصرف سبحانه وتعالى.

الطائفة الثانية من الطوائف التي شذت عن المجموعة البشرية وأنكرت الرب العظيم: الطبيعيون، وهم الذين يقولون: إن العالم وجد نتيجة للطبيعة، والطبيعة يفسرونها بتفسيرين:

التفسير الأول: أنها عبارة عن ذات الأشياء، فذات النبات خلقت النبات، وذات الأرض خلقت الأرض، وذات السماء خلقت السماء، وذات الإنسان خلقت الإنسان، وذات الحيوان خلقت الحيوان، هكذا يقولون، وهذا من أفسد ما يقال من الأقوال؛ لأن معنى ذلك أن الشيء أوجد نفسه، فتكون الأرض خلقت الأرض، والسماء خلقت السماء، والإنسان خلق الإنسان، وهذا باطل، فلا يمكن أن يخلق الشيء نفسه؛ لأن الشيء قبل وجوده عدم، والعدم لا يمكن أن يوجد شيئاً، فالأرض كانت قبل وجودها عدماً، فكيف يخلق العدم ويوجد، والإنسان عدم قبل أن يخلق، والعدم ليس بشيء، فكيف يوجد ويخلق، ولهذا قال الله تعالى في كتابه العظيم: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36].

فلا يمكن أن يُوجِد شيء معدوم نفسه إلا بموجد، بل لابد له من موجد خالق، وهو الرب سبحانه وتعالى، وهو واجب الوجود بذاته سبحانه وتعالى، وهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الحي القيوم، القائم بنفسه المقيم لغيره سبحانه وتعالى، لا يلحقه نقص ولا عدم، بل هو واجب الوجود بذاته سبحانه وتعالى.

وأما المخلوقات فهي مخلوقة من العدم، والعدم لا يوجد نفسه، ولا يخلق ولا يوجد شيئاً، فالمعدوم لا يخلق نفسه ولابد له من خالق، ولهذا قال سبحانه: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35].

وقد ثبت في صحيح البخاري أن جبير بن مطعم رضي الله عنه قدم المدينة في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، حيث وضعت الحرب أوزارها فاختلط المشركون بالمسلمين، وهذا من الحكم العظيمة في صلح الحديبية، فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل الشروط -وإن كان فيها غضاضة على المسلمين- لأن فيها مصالح عظيمة، حيث تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم للكتابة للرؤساء والعشائر، واختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا القرآن، وأسلم جمع غفير منهم، وفي ذلك الزمن قدم جبير بن مطعم رضي الله عنه قبل أن يسلم إلى المدينة من مكة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ سورة الطور، وسمع هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] قال: فكاد قلبي أن يطير. فدبت الحياة فيه قبل أن يسلم، ثم بعد ذلك أسلم رضي الله عنه.

وأما تفسير الطبعيين الثاني للطبيعة فهو أنها عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها، فيقولون: هي صفات الأشياء وخصائصها من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والملاسة والخشونة، وكذلك المتقابلات من حركة وسكون، وتزاوج وتوالد، ونمو واغتذاء، فهذه الصفات وهذه المتقابلات هي الطبيعة عندهم، وهي التي أوجدت الأشياء، وهذا التفسير أفسد من التفسير الذي قبله؛ لأنه إذا عجزت ذات الأشياء عن إيجاد نفسها فعجز صفاتها من باب أولى، فإذا كانت الذات لا توجد ولا تخلق، فكيف تكون الصفة موجدة خالقة؟! بل إذا عجزت ذات الأشياء فعجز صفاتها من باب أولى، وهل الصفة تخلق الموصوف؟! فإذا كان الموصوف نفسه لا يستطيع أن يوجد نفسه، فكيف توجد الصفة نفسها؟!

ولأن الصفة تابعة للموصوف، والطبيعة حالة محضة لا شعور لها، فكيف توجد؟! وكيف تصدر عنها هذه الأفعال العظيمة، وهذه الأفلاك المنظمة المرتبة التي على أحسن نظام وأبدعه؟!

إن ذلك لا يمكن، ثم إن هذا التفاوت العظيم بين المخلوقات لابد من أن يحصل عن حكمة، فلو كانت الطبيعة هي الخالقة لكان الخلق متساوين غير متفاوتين! والمقصود أن هذا من أخبث ما يقال.

الطائفة الثالثة من الطوائف التي شذت عن المجموعة البشرية وأنكرت الرب العظيم هم الذين يقولون: إن العالم وجد نتيجة للصدفة، بمعنى أن تجمع الذرات والجزئيات أدى إلى ظهور الحياة فجأة من غير تدبير ولا خالق، فقالوا: إن الذرات والجمعيات تجمعت، فلما تجمعت أدى هذا التجمع إلى ظهور الحياة فجأة وصدفة!

وهذا كلام لا يقوله عاقل، فهؤلاء صاروا يتكلمون بمثل كلام المجانين، ولا يمكن أن يقبل هذا الكلام عاقل؛ فإن من نظر إلى هذا الكون العظيم علويه وسفليه المنظم المرتب البديع، فسيقول هذه السماوات العظيمة من الذي أقامها؟!

وهذه الأرض من الذي بسطها؟! وكذلك هذه البحار، وهذه الأنهار، وهذه الأشجار.

وهذه الشمس كل يوم تخرج من المشرق وتغرب في المغرب ولا يختل نظامها، وهذا القمر يبدو صغيراً ضعيفاً في أول الشهر في المغرب، ثم يكبر حتى يتم منتصف الشهر، ثم يضعف إلى آخر الشهر ولا يتغيب.

وكذلك خلق الإنسان، فانظر إلى خلقك حينما كنت نطفة في بطن أمك، ثم خلق لك السمع والبصر والعقل، ثم خرجت إلى الدنيا، فهل يمكن أن يوجد هذا نتيجة للصدفة؟! تعالى الله، لكن هؤلاء الملاحدة ألغوا عقولهم، وصاروا كالمجانين، نسأل الله السلامة والعافية.

وما مقالتهم هذه إلا كمقالة من يقول: إن هناك انفجاراً انفجر في المطبعة، فتطايرت الحروف والأرقام، ولما تطايرت الحروف والأرقام جاءت الباء وصارت بجوار السين، والسين بجوار الميم، والميم بجوار الألف، وكذلك اللام والهاء والألف والراء والحاء والميم والنون، والألف والراء والحاء والياء والميم، فتكونت (بسم الله الرحمن الرحيم)، فجأة! ثم تطايرت الحروف وكونت: (الحمد لله رب العالمين)، وهكذا حتى تم الكتاب في مجلدات صدفة، فهل يقول هذا عاقل؟!

لا يقول هذا عاقل، وإذا كان هذا لا يمكن في تكون الكتاب؛ فكيف يتكون هذا العالم علويه وسفليه، المنظم المرتب البديع، الذي يحوي فصول السنة التي لا تختلف ولا تتغير، فشتاء وربيع وخريف وصيف على مر السنين والأعوام، كيفيتكون ذلك من غير مدبر؟!