أرشيف المقالات

إزار الرضا

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
إزار الرضا

فاضت رُوح زينب الحبيبة رضي الله عنها، ولحقت بأُمِّها، ولما خرجت الرُّوح الطاهرة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بغسلها، وانبرت لهذا الشرفِ أمُّ عطية رضي الله عنها؛ لأنها ستُغسِّل قطعةً من كبد سيد البشر صلى الله عليه وسلم؛ لأنها ستُغسِّل كبرى بناته، وستُغسِّل جبينًا طالما قَبَّلَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ستُغسِّل جسدًا طالما حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاعبه طفلًا يضحك ويمرح، ستُغسِّل وجهًا كم أبهج عين والده، وأسعدت طلَّته مُحيَّاه الأنيق الذي يشعُّ بهاءً وسماحةً؟!
 
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متأثِّرًا غاية التأثُّر مع أنه كان يحمل على عاتقه الشريف أعباءً وأحمالًا؛ لكنه صلى الله عليه وسلم سيد الراسخين وذِروة سنام الصابرين.
 
وها هي أُمُّ عطية تأخُذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال لها ولمن معها: ((اغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا، واجعلنَ في الآخرة كافورًا))، ثم أمرهُنَّ أن يُخبرنه عند الانتهاء مِنْ غسلها.
 
ولما انتهى غسلها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء الأبُ الحنون الذي ملَك الحنان والرفق، وعَلَّم الناسَ الحنانَ والرفق، جاء أجمل القلوب رفقًا، وأوسعها حنانًا صلى الله عليه وسلم.
 
وجاء فأعطى أُمَّ عطية إزاره ليُشعرنها بها، إنه إزار الرضا، إزار الوداع، إزار الإكرام.
 
ليكون جسدها متَّصلًا بأبيها الكريم، بأبيها المحب الذي ما برح إلا ويثني عليها، فكم عانَتْ من الجلوس على فراش المرض منذ أن قدمت المدينة!
 
وبعد أن أشعروها حَقْوَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المبارك، بدأوا بحملها، وصلى عليها أبوها صلى الله عليه وسلم واقفًا بذلك الجسد الذي أكلت منه النوائب ما أكلت، ولم يزل صامدًا.
 
وقف أمامها صلى الله عليه وسلم إمامًا رسولًا، ونبيًّا منيرًا، وأبًا رحيمًا، وكيف كانت صلاته؟! كيف كان خشوعُه؟! ومن أحسن منه صلاة وتكبيرًا، وخضوعًا وذكرًا؟!
 
وبعد أن صلَّى عليها حملوها حتى وضعوها في القبر وأبوها صلى الله عليه وسلم يرميها بنظراته الأخيرة، والصحابة يُراقبون المشهد، وأطال النظر صلى الله عليه وسلم إليها، وكيف تظنُّ حال دموعه؟! وحال قلبه الرحيم الرفيق الممتلئ رقَّةً وأبوَّةً؟!
 
ثم دفنها صلى الله عليه وسلم، وهذا الدفن الخامس له من أولاده مع أُمِّهم رضي الله عنها وعنهم.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢