عنوان الفتوى : علاج الخوف من الموت بسبب الذنوب
السؤال
عمري 19 سنة، أصبت بالخوف من الموت بعد ذنب ارتكبته، وقد سيطر عليَّ هذا الشعور شهرا كاملا دون ظهور أيَّة أعراض، وكنت أقسو على نفسي كثيرا، وأتعصب داخليا، وأحمل همَّ الجبال، ولكن بعد هذا بدأت الأعراض تظهر، وصداع، ودوخة عند التفكير في الأمر، وزيادة ضربات القلب، ثم بدأت الافكار تنتابني بأن هذا هو السبب الذي قد أتى للموت، وأصبحت أتعب جدا، ولكن لا يحدث لي شيء، ولطف الله يرافقني أينما كنت. مع العلم أني مستقرة في حياتي الأسرية جدا، وفي علاقتي مع الله، لكن منذ أن حدث هذا، وأنا أصبحت لا أستمتع بأيِّ شيء يحدث حولي، وإذا جاءت لي خاطرة بالهداية، وأن أدعو الله ليعيدني إلى طبيعتي تأتي الوسوسة بأن الله يريد أن يصلحني حتى أموت. وهكذا حياتي مليئة بالأفكار السببية للموت، وكل ما أتخلص منها تعود مرة أخرى بأعراض جسدية متعبة، ذهبت إلى كل التخصصات الطبية، وقالوا لي إنها حالة نفسية. مع العلم أني أعلم أنها حالة نفسية تابعة لهذا الخوف، ولكن لا أحد يعلم بأيِّ شيء. ثم ذهبت إلى طبيب نفسي، وقال لي إنها حالة خوف وهلع، ووصف لي (هرمبرو وكونكور) وأنا الآن أتناولهما، وآمل في الله قضاء هذه الفترة العصيبة؛ لأني أعلم أنها اختبار من الله، ولكن ينتابني الشعور والوسواس بأني سأموت، وأرتب النتائج والأحداث على ذلك، وأخاف أن أقول سأفعل كذا وكذا أمام أحد خوفًا من الموت، فيقولون قالت، وكان نفسها تفعل، وهكذا. طمئنوني بحالتي. وهل هناك نسب للشفاء منها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوصيتنا لك في البدء أن تجتهدي في أن تهوني الأمر على نفسك، فإنها لا تستحق أن تصلي بها إلى هذا الحد من القلق والتوتر، فيكفي أن تكوني قد تبت إلى الله -عز وجل- التوبة النصوح المستوفية للشروط، والتي قد سبق بيانها في الفتوى: 5450.
فأبشري بعدها، وأحسني الظن بربك، فمهما عظم الذنب، فإن مغفرة الله أعظم، فهو القائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال أيضا: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله: يا ابن آدم؛ إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
ولا نظن أنك تخفى عليك قصة الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا، ورجع إلى ربه صادقا في توبته فقبله، والقصة ثابتة في صحيح مسلم. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.
والحال التي أنت عليها قد تكون نوعا من كيد الشيطان؛ ليوقعك فيما قد يكون أعظم من الذنب الذي ارتكبته، وهو القنوط من رحمة الله، واليأس من روحه، والله سبحانه يقول: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}، ويقول أيضا: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}.
وعليك بالدعاء، فالله سبحانه هو من يكشف عن خلقه البلاء، قال عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.
فبهذه الأدوية الإيمانية مع ما أعطاك الطبيب من الأدوية الطبيعية تشفين بإذن الله تعالى. ولمزيد من التوجيهات راجعي هذه الاستشارة، وهي في قسم الاستشارات بموقعنا على هذا الرابط:
والله أعلم.