أرشيف المقالات

ما يكره فعله في الصلاة

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي
ما يُكرَه فعله في الصلاة


• حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا ابن أبي فُدَيك[1]، حدثني هارون بن هارون بن عبدالله بن الهدير التيمي، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من[2] الجفاء أن يُكثر الرجلُ مسح جَبهته قبل الفراغ من صلاته‏))‏.
 
هذا حديث في سنده ضعف؛ لضعفِ هارون بن هارون بن عبدالله بن محرز بن الهدير التيمي أبي محرز؛ فإن أبا حاتم الرازي قال: هو منكرُ الحديث، ليس بالقوي، وقال البخاري: لا يتابَع في حديثه، وفي موضع آخر: ليس بذاك، وقال النسائي والدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: كان يَروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن مَاكُولا: منكر الحديث، وقال الساجي: ليس بذاك، وذكره العقيلي، وابن الجارود في جملة الضعفاء، ولما ذكره البيهقي في المعرفة من حديث ابن بُريدة، عن ابن مسعود من قوله، ومرة عن أبيه مرفوعًا: ((أربع من الجفاء))، فذكر منهن: ((مسح الرجل التراب عن وجهه في صلاته))، قال: ورُوي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعًا، ولم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ إلاَّ حديث أبي سعيد الذي احتجَّ به الحُميدي: "أبصرَت عيناي النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثرُ الماء والطين"، في ألا يمسح المصلِّي الجبهة في الصلاة، وعن ابن عباس: "لا يمسح المصلي وجهه من التراب حتى يتشهَّد ويسلم"، وبه أخذ ابنُ أبي ليلى، وذكر أبو حنيفة عن حمَّاد، عن إبراهيم: أنه كان يمسح الترابَ عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلِّم، وكان أبو حنيفة لا يرى بذلك بأسًا، قال الشافعي: ولو ترك المصلي مسحَ وجهه من التراب حتى يسلِّم كان أحب إليَّ، وحمل ابنُ جبير قولَه: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ﴾ [الفتح: 29]، على نَدى الطهور وثرى الأرض، وأنكر ابن عمر وأبو الدرداء والسائب بن يزيد الذي يكون بالجبهة من شدَّة مسحها بالأرض، وكرهوا ذلك[3] - والله تعالى أعلم، وفي صحيح البُستيِّ عن أمِّ سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلام يقال له: رَبَاح: ((يا رباح، ترِّب وجهك))[4]، وسماه الترمذي في جامعه: أفلح[5].
 
• حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو قتيبة، ثنا يونس بن أبي إسحاق، وإسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تفقع أصابعك وأنت في الصلاة))‏.‏
 
هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضَعف الحارث المذكور قبل، وفي مسند أحمد من حديث ابن لَهيعة، عن زبان بن فائد، وفيهما كلام، عن سعد بن معاذ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((إن الضاحك في الصلاة والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة))[6]، ورواه البيهقي من حديث الليث عن زبان[7]، فأخرج منه ابنَ لهيعة.
 

• حدثنا أبو سعيد سفيان بن زياد المؤدِّب، ثنا محمد بن راشد، عن الحسن بن ذَكْوان، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطيَ الرجلُ فاه في الصلاة".‏
 
هذا حديث إسناده صحيح، وضعَّفه بعضهم بالحسن بن ذكوان، وهو غير جيد؛ لثبوت حديثه في صحيح البخاري.
 

• حدثنا علقمة بن عمرو الدارميُّ، ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن محمد بن عجلان، عن سعيد[8] المَقْبُرِيِّ، عن كعب بن عُجرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبَّك أصابعه في الصلاة، ففرَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه".‏
 
هذا حديث لما رواه الترمذي من حديث الليث، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن رجل، عن كعب، قال: حديث كعب رواه غيرُ واحد عن ابن عجلان مثل حديث الليث، وروى شريكٌ عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وحديث شريك غير محفوظ[9]، ولما خرجه الحاكم من حديث يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لكعب بن عجرة: ((إذا توضأت ثم دخلت المسجد فلا تشبِّكَنَّ بين أصابعك))، قال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ورواه شريك بن عبدالله، عن ابن عجلان، فوَهم في إسناده، فقال: عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنت في المسجد فلا تجعل أصابعك هكذا))، يعني: تشبكها، وخرجه أيضًا من حديث إسماعيل بن أميَّة، عن سعيد، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ أحدُكم في بيته، ثم أتى المسجدَ كان في صلاة حتى يرجع، فلا يقل هكذا))، وشبَّك بين أصابعه، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين[10]، وفي صحيح ابن خزيمة من حديث أبي ثمامة قال: لقيني كعب، وأنا أريد الجمعة، وقد شبَّكْت...
الحديث، ثم قال: رواه ابنُ أبي ذئب، عن المقبُري، عن رجل من بني سالم، عن أبيه، عن جده كعب، ورواه الأحمر[11]، عن ابن عَجلان، عن ابن المسيب، عن أبي سعيد، ولا أُحِل لأحد أن يرويَ عني هذا الخبرَ إلاَّ على هذه الصفة، فإنه إسنادٌ مقلوب، ويشبه أن يكون الصحيح حديث أبي ثمامة، وأما ابنُ عَجلان فوهِم في السند، وخَلط فيه، فمرة يقول: عن أبيه، عن أبي هريرة، ومرة يرسلُه، ومرة يقول: عن سعيد، عن كعب، وابن أبي ذِئب قد بيَّن أن سعيدًا إنما رواه عن رجل، وهو عندي سعد بن إسحاق، إلاَّ أنه غلط فيمن فوق سعد، فقال: عن أبيه، عن جدِّه كعب[12]، ولفظ حديث أبي هريرة عنده: ((إذا كنت في المسجد، فلا تجعلن أصابعك هكذا؛ تشبكها))[13]، ولما رواه في الأوسط قال: لم يروه عن ابن عَجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة إلاَّ الدراوردِي، ورواه الناسُ عن ابن عَجلان، عن سعيد، عن كعب[14]، ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي عَروبة، ثنا محمد بن مَعدان، ثنا سليمان بن عبيدالله، عن عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنيسة، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا كعب، إذا توضأت فأحسنت الوضوء، ثم خرجتَ من المسجد، فلا تشبِّك بين أصابعك؛ فإنك في صلاة))[15]، وأنبأ أبو يعلى: ثنا أبو خَيثمة، ثنا أبو عامر، ثنا داود بن قيس، عن سعد بن إسحاق، حدثني أبو ثمامة الحناط، أن كعبًا حدَّثه به[16]، وعند أحمد بن حنبل: "دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ وقد شبكتُ بين أصابعي، فقال لي: ((يا كعب، إذا كنت في المسجد، فلا تشبك بين أصابعك؛ فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة))[17]، وعند ابن أبي شَيبة بسند جيد، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن مَوهب[18]، عن عمِّه، عن مولًى لأبي سعيد: أنه كان مع أبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى رجلاً في المسجد شبَّك بين أصابعه، فأومأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلم يفطن، فالتفتَ إلى أبي سعيد، فقال: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يشبِّكن؛ فإن التشبيك من الشيطان))[19]، وزعم ابنُ بطَّال: ليس هذا الحديث بثابت[20]، فإن قيل: فقد ورد في الصحيح في يوم ذي اليدين: "فوضع يدَه اليمنى على اليسرى، وشبَّك بين أصابعه[21]، قيل له: هذا كان بعد فراغه من الصلاة، فلا معارضة، والله أعلم.
 
وأما حديث ابن عمر، أو ابن عمرو عند البخاري: "شبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه"[22]، وحديث أبي موسى عنده أيضًا مرفوعًا: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا)) وشبَّك بين أصابعه[23]، فخارج الصلاة، وقد اختلف العلماءُ في التشبيك في الصلاة؛ فزعم ابنُ الجوزي: أنه ورد النهيُ عن ذلك في آثار مرسلة عن سعيد بن المسيب معارِضة لما ذكره البخاريُّ، وليسَت كذلك؛ لأنها غيرُ مقاومة لها في الصحة، وكره إبراهيمُ تشبيك الأصابع في الصلاة، وهو قول مالك، ورخَّص في ذلك ابن عمر، وسالم ابنه، فكانا يشبِّكان في الصلاة، وكذلك الحَسن، قال مالك: إنهم ليُنكرون تشبيك الأصابع في المسجد، وما به بأس، وإنما يكره في الصلاة.
 

• حدثنا محمد بن الصبَّاح، أنبأ حفص بن غِياث، عن عبدالله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تثاءب أحدُكم فليضَع يدَه على فِيه[24]، ولا يعوي؛ فإن الشيطان يضحك في فيه))‏.
 
هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف راويه عبدالله بن سعيد، ونكارةِ حديثه، وسيأتي ذكره بعد، وقد وجدنا لحديثِه هذا أصلاً عند مسلم بلفظ: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم، فليَكظِمْ ما استطاع))[25]، وعند مسلم أيضًا من حديث أبي سعيد: ((إذا تثاءب أحدكم في الصلاة، فليكظِمْ ما استطاع؛ فإن الشيطان يدخل))[26].
 

• حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا الفضلُ بن دُكين، عن شَريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البُزاق، والمخاط، والحيض، والنعاس في الصلاة من الشيطان))‏.
 
هذا حديث أسلفنا الكلامَ على من ضعَّفه بثابت أبي عدي وغيره.
 
التثاؤب: ما يصيب الإنسان عند الكسل والنعاس والهمِّ من فَتح الفمِ والتمطِّي؛ عن ابن درستويه، وقال الترمذي: هي من جهة الرَّسم: انفتاح الفم بريح يخرج من المعدة، لعرَض من الأعراض، يَحدث فيها، فيُوجب فيها ذاك، ومن أمثالهم: أَعدى من الثوباء: يريدون إذا تثاءب الإنسانُ تثاءب مَن بحضرته، وقال ابن درستويه: العامة تقوله بالواو ولا تهمزه تثاوب، ويتثاوب، تثاوبًا، وهو خَطأ، وفي الحديث: ((إذا تثاءب أحدُكم فلا يقل: هاه هاه؛ فإنه اسم شيطان))[27]، وفي اللبلي: تثاءب بمد الهمزة، وعن أبي عبيد: الثؤْباء، بسكون الهمزة.

[1] سقطت كلمة: (أبي) من المطبوع، وهي ثابتة في الأصل.

[2] كذا بالأصل، وفي المطبوع: إن من الجفاء.

[3] المعرفة (3/ 202-204) بتصرف.

[4] الإحسان (1913).

[5] الترمذي (382).

[6] مسند أحمد (3/ 438).

[7] سنن البيهقي الكبرى (2/ 289).

[8] كذا في الأصل، وهو الصواب، كما في تحفة الأشراف وغيره، وفي المطبوع: عن أبي سعيد المقبري.

[9] الترمذي (386).

[10] المستدرك (1/ 206- 207).

[11] كذا بالأصل، وفي ابن خزيمة المطبوع: خالد بن حيان.

[12] صحيح ابن خزيمة (442) - (445).

[13] صحيح ابن خزيمة (439)، (440).

[14] المعجم الأوسط (838).

[15] الإحسان (2150).

[16] الإحسان (2036).

[17] مسند أحمد (4/ 243-244).

[18] تصحف في نسخة دار الفكر التي أعزو إليها إلى: ابن وهب، وهو في الرشد (4857) على الصواب.

[19] مصنف ابن أبي شيبة (1/ 523).

[20] في الأصل: عن ثابت، وقد أثبت ما يناسب السياق.

[21] البخاري (482)، ومسلم (573).

[22] البخاري (478)، ومسلم (479).

[23] البخاري (481)، ومسلم (2585).

[24] قوله: (على فيه) ليس بالأصل، وهو في المطبوع.

[25] مسلم (2994).

[26] مسلم (2995).

[27] في رواية من حديث أبي هريرة عند أحمد (2/ 265): ((فإذا قال أحدهم: ها، ها، فإنما ذلك الشيطان يضحك من جوفه)).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢