سلسلة منهاج المسلم - (75)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى الفصل الثالث من كتاب الوضوء، وقد عرفنا فرائض الوضوء وانتهينا إلى بيان سننه.

والفرق بين الفرض والسنة: أن الفرض إذا سقط بطلت العبادة، أما السنة إذا سقطت فلا تبطل العبادة ولكن الأجر ينقص، والعبادة صحيحة.

فرائض الوضوء بإيجاز، هي:

أولاً: النية: وهي فريضة في كل العبادات.

ثانياً: غسل الوجه: من أعلى الجبهة إلى منتهى الذقن.

ثالثاً: غسل اليدين إلى المرفقين، بل مع المرفقين.

رابعاً: مسح الرأس من الجبهة إلى القفا.

خامساً: غسل الرجلين مع الكعبين أيضاً أو إلى الكعبين.

سادساً: الترتيب بين الأعضاء المغسولة بأن يغسل الوجه أولاً ثم اليدين ثانياً ثم يمسح الرأس ثم يغسل الرجلين.

سابعاً: الموالاة أو الفور وهو عمل الوضوء في وقت واحد، فلا يصح أن يغسل وجهه هنا ثم يغسل يديه في البيت، أو يغسل يديه في البيت ثم يغسل رجليه في المسجد، يجب أن يكون الوضوء في وقت واحد، ولا يضر الانقطاع القليل كالدقيقة أو الدقيقتين.

أولاً: التسمية

والآن مع سنن الوضوء:

[أولاً: التسمية بأن يقول عند الشروع: بسم الله] والعوام يقولون: بسم الله الرحمن الرحيم، والسنة ثابتة بلفظ (بسم الله) فقط، وذلك عند الشروع في الوضوء، فعندما يشرع في غسل كفيه يقول: بسم الله [وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )] أي: لا وضوء صحيح كامل تام لمن لم يذكر اسم الله عليه، والحديث أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد ضعيف، ولكثرة طرقه رأى بعض أهل العلم العمل به.

أما مالك فقد سئل عن الرجل يتوضأ ولا يبسمل، فقال: "أو يذبح هو؟!" فالبسملة واجب عيني على الذبيحة، لا على الأكل أو الوضوء، وليس معنى هذا أننا لا نبسمل.

فالسنة: أن يقول باسم الله، ثم يشرع في الغسل أو الوضوء، ولو تركها المؤمن فوضوءه صحيح بلا خلاف، وهو الفرق بين السنة والواجب، أما إذا كان يتوضأ في حمام فلا يبسمل ولا يذكر شيئاً؛ لأنه لا يجوز ذكر الله في الأماكن الخبيثة أو التي فيها خبث، فمن كان يتوضأ في محل فيه مرحاض يتغوط فيه ويتبول فلا يصح أن يقول باسم الله؛ تنزيهاً لاسم الله الأعظم، ولا بأس أن يقولها في نفسه، لا ينطق بها.

ثانياً: غسل الكفين ثلاثاً قبل إدخالهما في الإناء إذا استيقظ من النوم

[ثانياً: غسل الكفين ثلاثاً قبل إدخالهما في الإناء إذا استيقظ من النوم] قبل أن يدخل كفيه في الإناء يصب عليهما من الماء ويغسلهما -أولاً- ثلاث مرات؛ وهذا بشرط أن يكون قد استيقظ من النوم، فمن كان نائماً واستيقظ للوضوء غسل يديه أولاً ثم بدأ بالمضمضة والاستنشاق، أما إذا كان مستيقظاً فليس عليه أن يغسلهما [وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده )] فقد تكون باتت بين فخذيه في مكان البول.

ويروى أن شخصاً تغطرس فقال: كيف لا أدري أين باتت يدي؟! فلما استيقظ وجدها في دبره.

ومعنى هذا: أنه لا يجوز للمؤمن -مهما كان- أن يحاول تأويل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو كلام الله عز وجل، أو أن يقول: كيف يكون هذا؟! بل يجب التسليم والإيمان واليقين بكل ما أخبر به الله أو الحبيب صلى الله عليه وسلم [وإن لم يكن قد استيقظ من نوم فلا مانع من أن يدخل يده في الإناء ويرفع بها الماء ليغسل كفيه ثلاثاً، سنة الوضوء].

ثالثاً: السواك

[ثالثاً: السواك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء )] ومعنى: (أشق على أمتي) أي: أكلفهم شيئاً يشق عليهم ويصعب، فليس كل الناس يستطيعون أن يستاكوا عند الوضوء، لكن من استطاع فليفعل فإنها سنة حسنة وأجرها كبير، والأفضل أن يكون السواك من عود الأراك.

وعود الأراك ينبت حول مكة وما ورائها إلى نجران، وقد شكا أحد المرضى إلى طبيب ألماني مشاكل اللثة عنده، فقال له: عليك بشجرة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعرف الأراك سماها شجرة محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا مجرب بلا خلاف، فالذين يستاكون أفواههم طيبة دائماً. ولِمَ السواك؟ من أجل تطييب الفم وتطهيره؛ لأنه مخرج لاسم الله الأعظم.

ولهذا نقول للمدخن: حرام عليك أن تذكر اسم الله وأثر الدخان في فيك. وإذا مررت بمدخن والسيجارة في يده فلا تسلم عليه، خشية أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فيجري اسم الله الأعظم على فم قد تلوث وتخبث.

فلو كان الدخان حلالاً؛ لكان الإمام يدخن على المنبر لما يجلس بين الخطبتين، فيستريح ليدخن، فالتدخين حرام لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يخبث فمه الطاهر به ثم يجري اسم الله الأعظم عليه.

ونقول لمن لم يفهم: لو أن ورقة كتب فيها اسم الله فأخذتها ووضعتها في العذرة هل تبقى مسلماً؟ لا. بل تكفر؛ لأنك ارتددت وخرجت بهذا العمل عن ملة الإسلام.

والمدخن يجري اسم الله على فمه الخبيث المنتن! فلا يليق به ذلك.

فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخن؟ وهل كان أصحابه يدخنون؟ وهل كان الأئمة يدخنون؟ وهل كان المسلمون يدخنون؟ لا، لم يحصل ذلك حتى استعمر المسلمون وجاءت هذه العادة الخبيثة من أوروبا الكافرة.

فسر السواك تطييب الفم وتطهيره من أجل أن نجري اسم الله الأعظم عليه.

رابعاً: المضمضة

[رابعاً: المضمضة: وهي تحريك الماء في الفم من شدق إلى شدق، ثم طرحه] فالمضمضة هي: تحريك الماء في الفم من الشدق الأيمن إلى الشدق الأيسر ثم طرحه في الأرض، أي: غسل الفم بالماء؛ لأنك ذاهب لتناجي ملك الملوك في بيته [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا توضأت فمضمض )] فالمضمضة سنة ولكننا لا نتركها، فلو أنك ما تمضمضت صح وضوءك وصحت صلاتك.

خامساً: الاستنشاق والاستنثار

[خامساً: الاستنشاق والاستنثار] مع بعضهما البعض [والاستنشاق جذب الماء بالأنف، والاستنثار: طرحه بنفس] فالاستنشاق هو: جذب الماء بالأنف، والاستنثار عكسه: طرحه بنفس [وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )] يقول لأحد أصحابه وهو يعلمه: بالغ في استنشاق الماء إلا أن تكون صائماً فلا؛ خشية أن يتسرب الماء إلى حلقك فيفسد صيامك، فلا يستنشق الصائم الماء بقوة ولكن بلطف وذوق.

سادساً: تخليل اللحية

[سادساً: تخليل اللحية لقول عمار بن ياسر -وقد استغرب منه تخليل اللحية-] عمار بن ياسر -رضي الله عنه وعن أبيه وعن أمه فكلهم شهداء- توضأ وخلل لحيته فاستغرب أحد الحاضرين منه ذلك فقال: [وما يمنعني، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخلل لحيته] أي: وما يمنعني أنا أن أخلل لحيتي وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا.

المشكلة إذا لم يكن هناك لحية، فماذا يخلل؟! يطلب آخر يقول له: تعال أخلل لك لحيتك!!

ومعنى هذا: أنه لا بد من اللحية يا أبناء الإسلام، لابد من شعر في وجهك يثبت أنك فحلٌ لست بأنثى، فلا يجوز حلق الوجه للشاب أبداً.

سابعاً: الغسل ثلاثاً ثلاثاً

[سابعاً: الغسل ثلاثاً ثلاثا، إذ الفرض مرة واحدة والتثليث سنة] فالغسل ثلاث مرات للفم، والأنف، والوجه، واليدين سنة، والفرض غسلة واحدة، إلا الرأس يمسح مرة واحدة؛ ولهذا كل المسلمين إذا توضئوا يغسلون ثلاثاً ثلاثا، أما الرجلان فبلا حساب؛ لأنهما قد يكون فيهما طين أو تراب يحتاج إلى أكثر من مرتين أو ثلاث مرات.

ثامناً: مسح الأذنين ظاهراً وباطناً

[ثامناً: مسح الأذنين ظاهراً وباطناً؛ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك] يمسح أذنيه في الباطن والظاهر، وهذا المسح مرة واحدة لا يتكرر، وهو سنة من سنن الوضوء، فمن لم يفعله لا تبطل صلاته، ولكن لِم لا يفعله؟ فبعدم فعله يفوته أجر وإن صحت صلاته.

تاسعاً: تخليل أصابع اليدين والرجلين

[تاسعاً: تخليل الأصابع في اليدين والرجلين لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك )] والفقهاء يقولون: تخليل أصابع اليدين فرض؛ لأن بين الإصبع والآخر مكان فارغ ليس فيه تشابك فلا بد من التخليل، أما أصابع الرجلين فمتشابكة، فلو أنه ما خلل أصابع رجليه صح وضوءه، ولكن السنة أن تخللهما.

فتخليل أصابع اليدين فريضة، والرجلين سنة.

عاشراً: التيامن

[عاشراً: التيامن، وهو البداية باليمين في غسل اليدين والرجلين] والبداية باليمين تكون في الرجلين واليدين فقط [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا توضأتم فابدءوا بميامينكم )] الميامن من اليدين والرجلين [ولقول عائشة رضي الله عنها] وعائشة هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحبه، ابنة أبي بكر الصديق ، أعلم نساء العالم على الإطلاق، تتلمذت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أعلم من الصحابة بالملازمة والسؤال [( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله )] ويعجبه معناه: يفرح به ويحسنه، فكان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في لبس نعله، وفي ترجيل شعره، وفي طهوره من وضوء وغسل، وفي شأنه كله.

فمن استطاع أن يتيمن في كل شيء فليفعل، حتى في السيارة يركب في الجهة اليمنى، فالتيمن محبوب اللهم إلا عند خروجك من المسجد، تؤخر اليمنى وتقدم اليسرى، وعند دخولك العكس تقدم اليمنى وتؤخر اليسرى.

وكذلك الحمام: إذا أردت أن تدخل إلى المرحاض قدم رجلك اليسرى، بل يُمنع تقديم اليمنى، وإذا كنت خارجاً قدم اليمنى، أي: عجل بخروج اليمين من النجاسة!

نسأل الله أن يجعلنا من أصحاب اليمين.

الحادي عشر: إطالة الغرة والتحجيل

[الحادي عشر: إطالة الغرة] والغرة تكون في الفرس وهي: مكان أبيض في رأسه [والتحجيل، وذلك بأن يصل في غسل الوجه إلى صفحة العنق] فلا يكتفي بالوجه وإنما يغسل حتى يصل إلى عنقه، فيكون كله أبيضاً يوم القيامة [وفي اليدين أن يغسل شيئاً من العضدين، وفي الرجلين أن يغسل شيئاً من الساقين] هذه سنة [وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء )] -ونحن منهم إن شاء الله- تأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، يعني: في وجوههم بيضاء مشرق إلى أعناقهم، وفي أيديهم بيضاء إلى أعضادهم، وفي أرجلهم بياض إلى سوقهم [(.. فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )] وتكون إطالة الغرة والتحجيل بأن يصل في غسل الوجه إلى صفحة العنق، وفي اليدين إلى شيء من العضدين، وفي الرجلين إلى شيء من الساقين؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء )] فأكثر من ثلاثمائة وأربعين أمة يبعثون يوم القيامة -ونحن من بينهم- معروفين بالوضوء.

الثاني عشر: أن يبدأ في مسح الرأس بمقدمه

[الثاني عشر: أن يبدأ في مسح الرأس بمقدمه] فلا يبدأ بالوسط أو الوراء ولكن يبدأ من مقدم الرأس [لحديث: ( مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر )] وأدبر. أي: رجع بهما. وبعضهم قد يفهم أنه أقبل من الوراء، [بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما] مع العلم أن الإنسان إذا كان في جهاد أو سفر أو مطر وعلى رأسه عمامة جاز له أن يزحزحها قليلاً حتى يبدو الشعر ويمسح على بقية العمامة، وهذه رخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم للحاجة، والمرأة كذلك بالنسة للخمار، والمسح سنة من السنن.

الثالث عشر: ما يقال بعد الوضوء

[الثالث عشر: أن يقول بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين] يقول بعدما يفرغ من الوضوء رافعاً رأسه إلى السماء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ولا يصح لمن سمع هذه أن يخرج من المسجد بدون أن يحفظها، حرام عليه؛ لأنها ذات فضل عظيم، والله لهي خير من مليون ريال -أستغفر الله- خير من مليار ريال [لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )] آمنا بإخبار الحبيب صلى الله عليه وسلم.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.