خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (60)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم.
وها نحن مع الباب الثالث، باب الأخلاق، وها نحن مع [ الفصل الخامس: في خلق العدل والاعتدال] فما هو العدل وما هو الاعتدال؟ وكيف نظفر بهما ونحصل عليهما؟ وكيف نكون من أهلهما؟
ندرس ذلك لنتعلم.
اعتقاد المسلم أن العدل بمعناه العام من أوجب الواجبات وألزمها
[ وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] ] لا جور ولا ظلم، أعطوا كل ذي حق حقه إن حكمتم [ ولهذا ] أي: لما سمعناه من حب الله للمقسطين [ يعدل المسلم في قوله ] إذا قال [ وحكمه ] إذا حكم [ ويتحرى العدل، ويطلبه في كل شأنه؛ حتى يكون العدل خلقاً له ] يعدل في قوله فلا يُضيع ولا يحيف، ويعدل في العمل فيعدل في الحكم، لا يزال كذلك حتى يصبح العدل خلقاً من أخلاقه، فلا يتكلف ولا يتعب أبداً [ ووصفاً لا ينفك عنه، فتصدر عنه أقواله وأعماله عادلة بعيدة عن الحيف والظلم والجور، ويصبح بذلك عدلاً لا يميل به هوى، ولا تجرفه شهوة أو دنيا، ويستوجب محبة الله ورضوانه وكرامته وإنعامه، إذ أخبر الله تعالى أنه يحب المقسطين، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كرامتهم عند ربهم بقوله: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) ] يعدلون -أولاً- في حكمهم إذا حكموا. ثانياً: في أهليهم من آباء وأمهات وأبناء وبنات وأخوات، وما ولوه من الولاية، إذا تولوا أمراً يعدلون فيه ولا يجورون أو يحيفون. من هؤلاء؟ (إن المقسطين) أي: العادلين عند الله، يوم القيامة على منابر من نور. من هم؟ الذين يعدلون في حكمهم إذا حكموا، وليس الشرط أن يكونوا حكاماً، فقد يحكم في قضية بين إنسان وإنسان، بين أخيه وابن أخيه مثلاً. (وأهليهم)، أول ما يعدلون بين الزوجات كما يأتي، وما ولوه من القضايا والأمور التي تولوها وأسندت إليهم، يعدلون فيها، فلا ظلم ولا حيف ولا جور.
[ وقال ] صلى الله عليه وسلم [ ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ] هذا يوم البعث، هذا يوم النشور، هذا يوم القيامة، هذا يوم تقف الخليقة كلها والعرق يكاد يلجم بعضها، في هذا الموقف لا ظل إلا ظل الله، ( سبعة ) -جعلنا الله وإياكم منهم- ( يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )، من هؤلاء السبعة يا رسول الله؟! أجابنا قائلاً: [ ( إمام عادل ) ] حاكم عادل لا يجور ولا يحيف ولا يظلم. ثانياً: [ ( شاب نشأ في عبادة الله تعالى ) ] وما أكثر هذه الشبيبة التي نشأت في عبادة الله منذ الصبا. ثالثاً: [ ( رجل قلبه معلق في المساجد ) ] قلبه دائماً في المسجد إذا خرج منه، قلبه معلق به، إذا كان يتغدى أو يتعشى فقلبه في المسجد، وإن كان يعمل في الصنعة فقلبه معلق بالمساجد بيوت الله [ ( ورجلان تحابا في الله ) ] أي: أحب بعضهما بعضاً، لا من أجل جمال ولا مال، ولكن فقط لله عز وجل [ ( اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) ] إذا رأيت فلاناً مع فلان اجتمعا اجتمعا على حب الله، وإذ رأيتهما تفرقا تفرقا على حب الله [ ( ورجل دعته امرأة ) ] طلبته [ ( امرأة ذات منصب وجمال ) ] شريفة عالية وذات جمال ومنظر [ ( فقال: إني أخاف الله ) ] رب العالمين. قال: [ ( ورجل ) ] وهو السادس [ ( تصدق بصدقة فأخفاها ) ] فكتمها [ ( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه بالدموع ) ] وهو وحده بعيد عن الناس؛ ذكر الله في طريقه، أو في بيته أو في مصلاه؛ فسالت دموعه من عينيه. اللهم اجعلنا من هؤلاء السبعة، اللهم اجعلنا منهم!
[ المسلم ] بحق وصدق الذي أسلم قلبه لله، فلا يتقلب طول الحياة إلا في طلب رضا الله، وأسلم وجهه لله فلا يقبل على غير الله سائلاً ولا ضارعاً ولا طالباً، هذا المسلم [ يرى ] يعتقد [ أن العدل بمعناه العام من أوجب الواجبات وألزمها ] إي والله! العدل من أوجب الواجبات وألزمها؛ لم؟ [ إذ أمر الله تعالى به في قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90]] أيأمر الله به ولا يكون خيراً، ولا يكون هدى ونوراً؟! حاشى وكلا [ وأخبر تعالى أنه يحب أهله ] أي: يحب أهل العدل والاعتدال، اللهم اجعلنا منهم! وذلك [ في قوله: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، والإقساط: العدل، والمقسطون: العادلون، وأمر به تعالى في الأقوال كما أمر به في الأحكام، قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152] ] فأقسطوا يا عباد الله! في أقوالكم وأحكامكم وأفعالكم، فـ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، فكل مقسط هو محبوب لله رجلاً كان أو امرأة في الأولين والآخرين، أيما إنسان أقسط فهو محبوب من الله عز وجل، ومن أحبه الله يشقى؟! والله لا يشقى. يكرب ويحزن؟ والله لا يكرب ولا يحزن.
[ وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] ] لا جور ولا ظلم، أعطوا كل ذي حق حقه إن حكمتم [ ولهذا ] أي: لما سمعناه من حب الله للمقسطين [ يعدل المسلم في قوله ] إذا قال [ وحكمه ] إذا حكم [ ويتحرى العدل، ويطلبه في كل شأنه؛ حتى يكون العدل خلقاً له ] يعدل في قوله فلا يُضيع ولا يحيف، ويعدل في العمل فيعدل في الحكم، لا يزال كذلك حتى يصبح العدل خلقاً من أخلاقه، فلا يتكلف ولا يتعب أبداً [ ووصفاً لا ينفك عنه، فتصدر عنه أقواله وأعماله عادلة بعيدة عن الحيف والظلم والجور، ويصبح بذلك عدلاً لا يميل به هوى، ولا تجرفه شهوة أو دنيا، ويستوجب محبة الله ورضوانه وكرامته وإنعامه، إذ أخبر الله تعالى أنه يحب المقسطين، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كرامتهم عند ربهم بقوله: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) ] يعدلون -أولاً- في حكمهم إذا حكموا. ثانياً: في أهليهم من آباء وأمهات وأبناء وبنات وأخوات، وما ولوه من الولاية، إذا تولوا أمراً يعدلون فيه ولا يجورون أو يحيفون. من هؤلاء؟ (إن المقسطين) أي: العادلين عند الله، يوم القيامة على منابر من نور. من هم؟ الذين يعدلون في حكمهم إذا حكموا، وليس الشرط أن يكونوا حكاماً، فقد يحكم في قضية بين إنسان وإنسان، بين أخيه وابن أخيه مثلاً. (وأهليهم)، أول ما يعدلون بين الزوجات كما يأتي، وما ولوه من القضايا والأمور التي تولوها وأسندت إليهم، يعدلون فيها، فلا ظلم ولا حيف ولا جور.
[ وقال ] صلى الله عليه وسلم [ ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ] هذا يوم البعث، هذا يوم النشور، هذا يوم القيامة، هذا يوم تقف الخليقة كلها والعرق يكاد يلجم بعضها، في هذا الموقف لا ظل إلا ظل الله، ( سبعة ) -جعلنا الله وإياكم منهم- ( يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )، من هؤلاء السبعة يا رسول الله؟! أجابنا قائلاً: [ ( إمام عادل ) ] حاكم عادل لا يجور ولا يحيف ولا يظلم. ثانياً: [ ( شاب نشأ في عبادة الله تعالى ) ] وما أكثر هذه الشبيبة التي نشأت في عبادة الله منذ الصبا. ثالثاً: [ ( رجل قلبه معلق في المساجد ) ] قلبه دائماً في المسجد إذا خرج منه، قلبه معلق به، إذا كان يتغدى أو يتعشى فقلبه في المسجد، وإن كان يعمل في الصنعة فقلبه معلق بالمساجد بيوت الله [ ( ورجلان تحابا في الله ) ] أي: أحب بعضهما بعضاً، لا من أجل جمال ولا مال، ولكن فقط لله عز وجل [ ( اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) ] إذا رأيت فلاناً مع فلان اجتمعا اجتمعا على حب الله، وإذ رأيتهما تفرقا تفرقا على حب الله [ ( ورجل دعته امرأة ) ] طلبته [ ( امرأة ذات منصب وجمال ) ] شريفة عالية وذات جمال ومنظر [ ( فقال: إني أخاف الله ) ] رب العالمين. قال: [ ( ورجل ) ] وهو السادس [ ( تصدق بصدقة فأخفاها ) ] فكتمها [ ( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه بالدموع ) ] وهو وحده بعيد عن الناس؛ ذكر الله في طريقه، أو في بيته أو في مصلاه؛ فسالت دموعه من عينيه. اللهم اجعلنا من هؤلاء السبعة، اللهم اجعلنا منهم!
قال المؤلف غفر الله له ولكم: [ وللعدل مظاهر كثيرة يتجلى فيها ] فهيا بنا ننظر مظاهر العدل؛ عسانا أن نجد أنفسنا فيها!
أولاً: العدل مع الله تعالى
ثانياً: العدل في الحكم بين الناس
ثالثاً: العدل بين الزوجات والأولاد
رابعاً: العدل في القول
خامساً: العدل في المعتقد
مثال عال للعدل في الحكم
ثمرة طيبة للعدل
قال: [ من ثمرات العدل في الحكم: إشاعة الطمأنينة في النفوس ] أهل البلاد يصبحون مطمئنين ساكني النفوس؛ لأنهم يعيشون تحت نظام العدل، فلا ظلم ولا جور ولا حيف [ روي أن قيصر ] ملك الروم [ أرسل إلى عمر بن الخطاب رسولاً؛ لينظر أحواله ويشاهد أفعاله؛ لما بلغه من العدل، فلما بلغ المدينة هذا النصراني سأل عن عمر وقال: أين ملككم؟ فقالوا: ما لنا ملك، بل لنا أمير! ] ليس لنا ملك إنما لنا أمير [ قد خرج إلى ظاهر المدينة، فخرج هذا الرومي في طلبه، فرآه نائماً فوق الرمل وقد توسد درته -وهي عصا صغيرة كانت دائماً بيده يغير بها المنكر- فلما رآه على هذه الحال وقع الخشوع في قلبه وقال: رجل يكون جميع الملوك لا يقر لهم قرار من هيبته وتكون هذه حاله؟! ولكنك يا عمر ! عدلت فنمت وملكنا يجور، فلا جرم أن لا يزال ساهراً خائفاً ] هذا عمر ! وهذه شهادة العدو له.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4083 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3835 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3647 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |