سلسلة منهاج المسلم - (21)


الحلقة مفرغة

لو كان النصارى والمجوس في ديارنا تحت رايتنا من أهل ذمتنا فإننا لا نأمرهم بصيام ولا صلاة ولا صدقات؛ لأنهم أموات. انفخ في أحدهم الروح فيرفع رأسه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وحينئذ مره يفعل، انهه يترك، أما وهو ميت فـ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80].

ثانياً: إذا كان ذو العقيدة الإسلامية عقيدته مهلهلة ضعيفة داخلها الزيادة والنقصان، ليست موافقة لعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه يكون مريضاً، والمريض جثمانياً يقوى أحياناً على أن يفعل، ويعجز أحياناً أخرى، يقدر على أن يتكلم، وأحياناً لا يستطيع. ما علة ذلك؟ أليس المرض؟ إي والله المرض! ومعنى هذا: أن علينا أن نصحح عقيدتنا، فلا نخرج أبداً عن قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد عرفنا أن أركان هذه العقيدة ستة، جاءت في الكتاب الكريم القرآن العظيم، وجاءت على لسان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وواجب كل إنسان من المؤمنين أن يحفظها حفظاً صحيحاً، وأن يفهم معناها كما هي، هذه الأركان الستة هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وقد درسنا هذه كلها.

ومعنى الإيمان بالله: أن تعتقد أن الله موجود حي قيوم ذو صفات علا، وأسماء حسنى، بيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، فلا رب غيره، ولا إله سواه، وتعبده بما طلب منك أن تعبده.

وها نحن الآن مع أولياء الرحمن وكراماتهم، وأولياء الشيطان وضلالاتهم، وقد عرفنا أن الأدلة النقلية هي أدلة الكتاب وأدلة السنة، ومصدر علمنا من قال الله وقال رسوله.

كرامة مريم بنت عمران

إذاً: فمن أدلة الكتاب الكريم قول ربنا: [ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم:24-26] ] أية كرامة أعظم من هذه الكرامة؟! نخلة في الشتاء ما فيها تمر ولا شيء، هزيها يا مريم فيتساقط الرطب، كرامة هذه أم لا؟!

يناديها من تحتها عيسى، وقد سقط من بطنها ويخاطبها كما قال الله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم:25-26] ، فكون الجماد يتغير بدعوة العبد المؤمن، ويصبح حياً، فهذه كرامة من أعظم الكرامات.

معجزة إبراهيم عليه السلام

[ وفي قوله: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ [الأنبياء:69-70] ] أمرها الله أن تكون برداً وسلاماً فكانت، وإبراهيم صدر الحكم بإعدامه، فلما أوقدوا النار وأججوها لمدة طويلة -أكثر من أربعين يوماً- جاءوا به ليلقوه فيها، فما استطاعوا أن يقربوا من النار، فوضعوه في منجنيق، ورموه به، وفي مروره وقبل الوصول إليها عرض إليه جبريل قائلاً: يا إبراهيم! هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا.

فصدر أمر الله عز وجل إلى النار الملتهبة: كوني يا نار برداً وسلاماً! لو قال برداً فقط لقتله البرد والثلج، لكنه قال: وسلاماً.

والله! خرج منها وجبينه يتصبب منه العرق، ولم تمسه النار، وتركهم وهاجر إلى أرض القدس.

هذه كرامة الأولياء، النار ما أحرقته، بل أكرمه الله.

كرامة أصحاب الكهف

[ وفي قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ [الكهف:9-12] ] مجموعة.. ثمانية أشخاص من الشبيبة الإسلامية، واجهوا قومهم بالتوحيد فرفضوا، وأرادوا قتلهم فهربوا وتركوا البلاد، وآواهم المبيت إلى كهف من الكهوف، فدخلوا فيه، فحفظهم الله ثلاثمائة وتسع سنين أحياء، لا يأكلون ولا يشربون، وما استطاع إنسان أن يصل إليهم، كل من جاء يصرف، والكلب باسط ذراعيه عند الباب.. حتى كلبهم معهم! فأية كرامة أكبر من هذه الكرامة؟! ثلاثمائة وتسع سنين وهم في كهفهم، ثم بعثهم؟!

هذه آيات الله تقرر أن للأولياء كرامات، من يكرمهم بها؟ الله المكرم لأوليائه.

حديث الولي

[ ثانياً: إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله وكراماتهم في قوله فيما يرويه عن ربه عز وجل: ( قال الله: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) ] يقول الله تعالى في هذا الحديث القدسي الشريف الذي يرويه رسول الله عن الله: (من عادى لي ولياً) أي: من أوليائي، (فقد آذنته بالحرب) أي: أعلنت عليه الحرب عليه، ومن أعلن الله الحرب عليه ينكسر ويتمزق ويخسر خسراناً أبدياً.

من هو هذا الولي الذي إذا عاديته أعلن الله الحرب عليك؟

نسأل: من هو هذا الولي الذي ما نستطيع أن نؤذيه بنظرة شزراء، أو بغمزة، أو لمزة، أو بكلمة سوء، فضلاً عن أن نضرب جسمه أو نسلب ماله؟ هل هو سيدي عبد القادر ؟ أين هو سيدي عبد القادر ؟ أو سيدي عبد الرحمن أين هم؟ ماتوا. كل مؤمن تقي هو لله ولي، ومعنى تقي: ما يعصي الله، يفعل ما أمره، ويترك ما نهاه عنه، أما كونه أبيض، أو أسود، أو أصفر، أو عربياً، أو عجمياً، فكل هذا لا قيمة له، فقط مؤمن وتقي، من عاداه أو آذاه فليتصد له الله، وليذيقه العذاب الأليم.

من أين لنا أن المؤمن التقي هو الولي؟ ونحن عرفنا أن الأولياء هم الذين بنينا عليهم القباب، ووضعنا عليهم الستر والتوابيت، والبواب عند الباب يأخذ الزيارة، هذا هو الولي، أما الأولياء الأحياء فلا يوجد عندنا.

والله! كما تسمعون من أندونيسيا إلى الدار البيضاء يوم ما هبطت هذه الأمة.

ما سبب حصر الولاية في الأموات؟ سببها حتى يستبيح المسلمون دماء بعضهم بعضاً، وفروج بعضهم بعضاً، وأموال بعضهم بعضاً، ولا يخاف أحد أبداً من الله في أخيه المؤمن، لأنه ما هو بولي.

كاد لنا الثالوث الأسود، وهو العدو المكون من: المجوس، واليهود، والنصارى، فاستطاعوا أن يقنعونا أنه لا ولي إلا من مات، وبني على قبره قبة، وأصبح يعبد مع الله، فانحصرت الولاية في الأموات فقط؛ من أجل أن يفجر بعضنا بنساء بعض، ويأكل بعضنا أموال بعض، ويقتل بعضنا بعضاً؛ لأن الولي ما تستطيع أن تفتح عينيك فيه أبداً، ما تقوى على أن تقول فيه كلمة سوء، والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) .

فمن هنا استباح المسلمون الزنا، والربا، والخيانة، والكذب، والقتل، وسفك الدماء بالآلاف بل مئات الآلاف، لو عرف أن هذا ولي الله ما يقوى على أن ينظر إليه نظرة شزراء.

وإليكم مثالاً حياً شاهدته ورأيته في القرية: بعض الرجال يتحدثون أحاديث العوام عن الزنا والفجور، فقالوا: فلان كان مؤمناً إذا زنى ما يمر بسيدي فلان في الطريق، ما يمر على قبر ولي! لا يخاف الله وهو يفجر ويعصي الله ويهتك ستار المؤمن ويمزق عرضه ويخاف أن يمشي أمام الولي في قبره!!

والذي فعل بنا هذا هم الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والصليبية .

وفعلوا بنا فعلة قبل هذه، طمسوا أعيننا، وصرفوا قلوبنا، فصلونا عن ربنا، قالوا: القرآن الكريم تفسيره: صوابه خطأ، وخطؤه كفر، فما استطاع المؤمن في الدنيا كلها أن يقول: قال الله، لأنه إن فسر فأصاب فهو مخطئ، وإن أخطأ فهو كافر.

إذاً: ماذا نفعل بالقرآن إذا كنا لا نتكلم به، ولا ندارسه، ولا نعلم عنه ولا ولا؟ ماذا نفعل؟

قالوا: حولوه للموتى، فأصبح القرآن لا يقرأ إلا على ميت من أندونيسيا إلى موريتانيا، ما يجتمع اثنان أو ثلاثة يتدارسون آية من كتاب الله قط إلا على قراءته على الميت ثلاث ليال أو سبع ليال أو أكثر.

القرآن نور -وهذه الكلمة تمزق قلوب الثالوث الأسود لما يسمعونها وتبلغهم- القرآن هو النور، القرآن روح لا حياة بدونه ولا هداية بدونه، أنقرؤه على الموتى؟ هل الموتى يقومون ويصلون؟ يعترفون بالحقوق ويؤدونها؟ ما معنى قراءة القرآن على الميت؟ هل توبخه بذلك؟ آلله أمرك بهذا؟ كيف يقرأ القرآن على الموتى؟

فهم منعونا من تفسيره، والرواية عنه، والأخذ منه، فماذا نصنع به إذن؟ قالوا: اقرءوه على الموتى بالأجرة وبالثمن.

إذاً: هذا الحديث النبوي الشريف، وهو عن الله عز وجل: ( يقول تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) الليلة ما بقي مستمع منا أو مستمعة يقدر على أن يؤذي مؤمناً لا في عرضه ولا في بدنه ولا في ماله، والله ما يستطيع من علم وعرف، كيف تعرض نفسك لحرب مع الله؟ أتقدر عليها؟

قال: [ ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) ] نتقرب إلى الله بالصيام والصلاة، وغيرهما من العبادات، حتى نقرب منه فيرضى عنا، وينزلنا بجواره، ما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إلى الله من الفرائض.

ونوافل الصيام والصلاة، الرباط، الجهاد، ذاك فضل عظيم، لكن الفرائض أعظم منها، أداؤك لصلاة المغرب بركوعها وسجودها وآدابها وخشوعها تعدل ألف ركعة من النافلة أو أكثر.

صيامك رمضان باستقامة، وإقبال على الله، وإخلاص له وذكره، خير من أن تصوم الدهر بكامله.

[ ( ولا يزال عبدي ) ] اللهم اجعلنا من هذا العبد.

[ ( يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) ] أين المتسابقون؟

(ولا يزال عبدي يتقرب إلي) بماذا؟ (بالنوافل) بعد أداء الفرائض، إلى متى؟ (حتى أحبه).

كيف تعرف أن الله قد أحبك؟ رؤيا صالحة ممكن في المنام، ولكن إليكم مظاهر حب الله تعالى للعبد.

يقول تعالى: [ ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ) ] فلا تستطيع أن تسمع باطلاً أبداً بإذنك؛ لأن الله ملكها، لا تقوى على أن تسمع منكراً أو باطلاً أو شراً أو فساداً، أذنك ما تقوى على هذا؛ لأن الله ملكها، فهي له.

[ ( وبصره الذي يبصر به ) ] عيناك السوداوتان القويتان ما تقوى على أن تفتحهما في أجنبية وتنظر إليها، ما تقدر على ذلك، تخاطبها وأنت مطأطئ رأسك؛ لأن الله ملك هذا البصر، هذه علامة ولاية الله أن الله أحبك.

قال: [ ( ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) ] أي: تصبح يدك لله تعالى، ما يسخرها الله في باطل، والله ما تقوى بها أن تؤذي مؤمناً أبداً، كأنك مشلول؛ لأنها لله، فولي الله لا يؤذي الناس ويضربهم بيده أو يقتلهم، ولا يستطيع أن يمشي خطوة واحدة في غير رضا الله؛ لأن الله ملك مشيه.

قال: [ ( ولئن سألني لأعطينه ) ] أي: وعزتي وجلالي! لئن سألني ما سألني لأعطينه [ ( ولئن استعاذني ) ] أي: طلب حفظه حفظته [ ( لأعيذنه ) ] وفي بعض الروايات الصحيحة:[ ( إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب ) ] الله يقول: ( وإني لأثأر لأوليائي -يأخذ الثأر من عدوهم- كما يثأر الليث الحرب ) فإياكم إذن أن تؤذوا أولياء الله.

فإذا قال قائل: يا شيخ! ما عندنا أولياء، عندنا قبور، نقول له: هذا العلم باطل، كل مؤمن تقي ليس بفاجر هو لله ولي.

ولاية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكراماته

[ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن لله رجالاً لو أقسموا على الله لأبرهم ) ] أي: إن لله رجالاً ونساءً لو حلفوا على الله أن يفعل لبر بيمينهم، هل فوق هذه الكرامة كرامة؟ إن لله رجالاً لو أقسموا على الله بأن يعطيهم كذا أو يفعل كذا لأبرهم، ولما تركهم ولا حنثوا [ وفي قوله: ( لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن كان في أمتي أحد فإنه عمر ) ] لكرامته، وولايته. ومعنى (محدثون) أي: أناس تحدثهم الملائكة، وعمر رضي الله عنه كان من أبرز أولياء الله في الأرض، فمن كراماته: أنه كان إذا مشى في الشارع لا يمشي الشيطان معه: ( ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه )، يقول ولده عبد الله: ما قال أبي في شيء أظنه كذا إلا كان كما ظن.

كيف وصل إلى هذا المستوى؟ استدعاه أحد ولاته أيام حكمه فوضع سفرة من الطعام منوعة، فلما شاهد عمر ألوان الطعام انتفض كالأسد وقام، فقال له: يا خليفة رسول الله! يا إمام المسلمين! ما لك لا تأكل؟ قال: أخشى أن أكون ممن قال الله فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20] .

ونحن نسرق المال ونأكله من الربا والكذب، ويكفينا قرص العيش؛ لأننا ما عرفنا الطريق إلى الله!!

كرامة المرأة التي كانت ترضع ولدها فأنطقه الله

قال: [ وفي قوله عليه الصلاة والسلام: ( كانت امرأة ترضع ولدها، فرأت رجلاً على فرس فاره ) ] من خيرة الأفراس [ ( فقالت: اللهم اجعل ولدي مثل هذا ) ] رغبت أن يكون ولدها فارساً بعدما يكبر [ ( فالتفت إليها الطفل وهو يرضع وقال: اللهم لا تجعلني مثله ) ] الطفل الرضيع يتكلم، وهذا كرامة لأمه؛ لأنها انخدعت بالمظهر كما نحن منخدعون الليل والنهار، فقال: ليست القضية قضية مظهر، إنما قضية قلب مع الله ونور يغمره [ فنطق الرضيع كرامة للولد وللوالد ] معاً.

كرامة جريج الراهب

[ وفي قوله صلى الله عليه وسلم في جريج العابد وأمه: ( إذ قالت أمه: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ) فاستجاب الله لها كرامة منه تعالى لها، ( وقال ولدها جريج لما اتهموه بأن ولد البغي منه، قال للولد الرضيع: من أبوك؟ قال: راعي الغنم ) ] نطق الطفل وبرأ جريحات، استجاب الله لأمه، ما مات حتى وقع فيما دعت عليه أمه؛ لأنها نادته وهو مشغول بالصلاة، ثم دعت عليه، وهو أيضاً نادى الطفل: من أبوك؟ قال: أبي راعي الغنم قال: [ فنطق الرضيع كرامة لـجريج العابد].

كرامة الثلاثة الذين آوى بهم المبيت إلى الغار

[ وفي قوله صلى الله عليه وسلم في أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فدعوا الله، وتوسلوا إليه بصالح أعمالهم، فاستجاب الله لهم، وفرجها عنهم حتى خرجوا سالمين كرامة لهم ] ثلاثة كانوا مارين بطريق، آواهم المبيت إلى غار في جبل، جاء المطر والعواصف، فسقطت حجرة على باب الغار، فماذا يصنعون؟ كيف يخرجون؟ لا معول ولا فأس ولا ولا. قالوا: هيا نتوسل إلى الله بصالح أعمالنا، فتوسل أحدهم ببر والديه، فانزاحت الصخرة قليلاً، وتوسل الثاني بأمانة كانت عنده حفظها ونماها وأعطاها لصاحبها، والثالث توسل بأنه رغب في الزنا وعمل جهده حتى وصل إليه، ثم لما وصل إلى المرأة -بنت عمه- قالت له: أما تخاف الله رب العالمين؟! لا تفتض خاتماً بغير حقه، فقام ترتعد فرائصه يصرخ ويبكي، وأعطاها المال الذي أعطاها، ولم يفجر بها، سألوا الله بهذه، ففرج الله عنهم.

كرامة الغلام المؤمن

قال: [ وفي قوله في حديث الراهب والغلام، إذ جاء فيه: أن الغلام رمى الدابة التي كانت قد منعت الجماهير من المرور ]،والدابة من الحيات التي تأكل البشر [ رماها بحجر فماتت ومر الناس ] حيوان عظيم قطع الطريق على المارة فلا يستطيعون المرور، فرماها هذا المؤمن الولي بحجرة فماتت [ فكانت كرامة للغلام].

قال: [ كما أن الملك حاول قتل الغلام بشتى الوسائل فلم يفلح، حتى رماه من جبل شاهق ولم يمت، وقذفه في البحر فخرج منه يمشي ولم يمت، فكان ذلك كرامة للغلام المؤمن الصالح] والشاهد عندنا: من هم أولياء الله؟ قولوا: نحن أولياء الله، آمنا بالله، ونحن نعبده ولا نعبد سواه، فلهذا من يؤذيكم يتعرض لغضب الله وعذابه، وأنت إذا أصبحت تؤذي، اعلم أنك والله ما أنت ولي الله أبداً.

إذاً: فمن أدلة الكتاب الكريم قول ربنا: [ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم:24-26] ] أية كرامة أعظم من هذه الكرامة؟! نخلة في الشتاء ما فيها تمر ولا شيء، هزيها يا مريم فيتساقط الرطب، كرامة هذه أم لا؟!

يناديها من تحتها عيسى، وقد سقط من بطنها ويخاطبها كما قال الله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم:25-26] ، فكون الجماد يتغير بدعوة العبد المؤمن، ويصبح حياً، فهذه كرامة من أعظم الكرامات.