خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (208)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، هذا الكتاب الحاوي - أي: الجامع- للشريعة الإسلامية بكاملها، عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وهذا الكتاب جمع هذه الأمة المسلمة، فلا مذهبية ولا طائفية، وإنما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يخرج عما كان عليه رسول الله وأصحابه قط، فلهذا لو يقبل المسلمون عليه لانتهت المذهبية والطائفية والفرق نهائياً، ويصبحون كأنهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنذكر جميعاً قوله صلى الله عليه وسلم: ( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة). وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سأله سائل فقال: ( ما هي الفرقة الناجية يا رسول الله؟! قال: هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ). فلا زيدية ولا أباضية ولا رافضية ولا شيعية ولا حنفية ولا مالكية ولا غيرها، بل من كانوا على ما كان عليه رسول الله وأصحابه، ولهذا الغرض السامي ألف هذا الكتاب، وهو جمع المسلمين على دعوة الحق، والسير على منهاج الحق والصدق، وقد ترجم الكتاب إلى لغات ونفع الله به.
ولكنا نأمل أن أهل كل قرية يجتمعون عليه، ويدرسونه نساء ورجالاً وأطفالاً، ويعملون بما فيه ليهتدوا، ويصبحوا من أعز الناس وخيرهم.
وها نحن في آخر الكتاب [ الفصل الثالث عشر ] من فصول هذا الكتاب وهو: [ في الرقيق:
وفيه مادتان:
المادة الأولى: في الرق:
أولاً: تعريفه: الرق هو: الملك والعبودية، والرقيق: هو العبد المملوك، فهو مأخوذ من الرقة ضد الغلظة؛ لأن العبد يرق لسيده ويلين ولا يغلظ عليه بحكم الملكية التي له عليه ] فلهذا سمي رقيقاً.
[ ثانياً: حكمه: حكم الرق الجواز ] فجائز أن يكون بين الناس أرقاء، وجائز أن تملك رقيقاً ولا حرج [ لقوله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] ] والرقيق هم الذين ملكتهم أيمان الصحابة [ وقول الرسول ] الكريم [ صلى الله عليه وسلم: (من لطم مملوكه أو ضربه ) ] وآذاه [ ( فكفارته ) ] أي: كفارة هذا الإثم [ (أن يعتقه) ] لأن الإسلام جاء لينهي الرق أو يخففه في الحياة بعدما عاش وانتشر في العالم كله، وستسمعون هذا إن شاء الله.
تاريخ الرق
أسباب نشأة الرق
أولاً: الحروب، فإذا حاربت جماعة من الناس جماعة أخرى وعلتها قهراً استرقت نساءها وأطفالها ] فيصبحون عبيداً لهم، وهكذا كان الناس.
[ ثانياً: الفقر، فكثيراً ما كان الفقر يحمل الناس على بيع أولادهم رقيقاً للناس ] فكان إذا اشتد الفقر في أي إقليم فالذين لهم أولاد يبيعون أولادهم رقيقاً للضرورة والحاجة.
[ ثالثاً: الاختطاف بالتلصص والقرصنة، فقد كانت جماعات كبيرة من أوروبا تنزل إلى إفريقيا وتخطف الزنوج الأفارقة، وتبيعهم في أسواق النخاسة بأوروبا، كما كان القراصنة من البحارين الأوروبيين يتعرضون للسفن المارة بعرض البحر ويسطون على ركابها، فإذا قهروهم باعوهم في أسواق العبيد بأوروبا وأكلوا أثمانهم ] وهذا هو الكفر [ و] وأما [ الإسلام وهو دين الله الحق لم يجز من هذه الأسباب إلا سبباً واحداً فقط، وهو الاسترقاق بواسطة الحرب؛ وذلك رحمة بالبشرية، فإن الغالب المنتصر كثيراً ما يحمله ذلك على الإفساد تحت تأثير غريزة حب الانتقام، فيقتل النساء و] يقتل [ الأطفال تشفياً من رجالهم، فأذن الإسلام لأتباعه في استرقاق النساء والأطفال إبقاء على حياتهم أولاً، وتمهيداً لإسعادهم وتحريرهم ثانياً، وأما المقاتلة من الرجال فقد خير الإمام في المن عليهم ] فالإمام خيره الله بين أن يمن على الرقيق المأخوذين في الحرب [ مجاناً بدون فداء، وبين افتدائهم بمال أو سلاح أو رجال، قال تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [محمد:4] ] أي: للقتال [ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4] ] من النساء والأطفال والمملوكين [ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4] ] ولا يوجد هذا إلا في الإسلام، فإذا حاربنا أمة حاربتنا فلا نقتل نساءها ولا أطفالها أبداً، بل نأخذهم، ثم إن شئنا منحناهم الحرية، وإن شئنا أخذنا مقابل ذلك، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ [محمد:4] منكم، وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4].
معاملة الرقيق
أولاً: قوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] ] فأوصانا أن نعامله كما نعامل أنفسنا.
[ ثانياً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: ( هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه ) ] هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الإسلام [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه ) ] ويخرجه من ملكه [ وفوق هذا دعوة الإسلام العامة إلى تحرير الرقيق والترغيب في ذلك والحث عليه، ويشهد لهذا الأمور التالية:
أولاً: جعل تحريره كفارة لجناية القتل الخطأ ] فمن قتل عبداً خطأ فكفارته أن يعتق رقيقاً [ وكذلك لعدة مخالفات كالظهار ] إذا ظاهر من امرأته [ والحنث في اليمين بالله تعالى ] فكذلك يعتق رقبة [ وانتهاك حرمة رمضان بالإفطار فيه ] كذلك، وهكذا حتى لا يبقى عبد بيننا.
[ ثانياً: الأمر بمكاتبة من طلب المكاتبة من الأرقاء ] فإذا طلب منك عبد المكاتبة على سنة .. سنتين ويعطيك الثمن فافعل [ ومساعدته على ذلك بقسط من المال ] فعليك أن تساعده أيضاً، فإذا اتفقت معه على عشرة آلاف فأعطه مائة .. مائتين .. ألفاً، وساعده على ذلك [ قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ [النور:33] ] أي: يطلبون [ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النور:33] ] أي: العبيد [ فَكَاتِبُوهُمْ [النور:33] ] بشرط [ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33] ] إلا إذا كان هذا العبد جنياً عبيطاً ساخطاً وغير ذلك فلا تعتقه؛ حتى يبقى في ملكك وتحمي الناس منه، فإذا كان هذا العبد ظالماً فاسقاً فاجراً لو حررته لكان يقع في الفساد فهذا لا تكاتبه ولا تعتقه، بل اتركه عندك.
[ ثالثاً: جعل مصرف خاص من مصارف الزكاة للمساعدة على تحرير الأرقاء ] فمصارف الزكاة ثمانية، وفيها مصرف خاص لتحرير الأرقاء، فزكاتك تحرر بها العبيد [ قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60] ] فمن عنده زكاة فليشتري بها عبداً ويحرره ويعتقه في سبيل الله.
[رابعاً: سريان العتق إلى بقية أجزائه إذا عتق منه جزء] فإذا أعتق من العبد يد أو أذن أو لسان فيعتق كله [ فإن المسلم إذا عتق نصيباً له في رقيق] كأن يكون العبد بين اثنين أو ثلاثة، وأحدهم قال: أنا أعتقت ثلثي أو ربعي فيسري العتق في الكل، و[ أمر أن يقوَّم عليه النصيب الباقي، فيدفع ثمنه لأصحابه ويعتق العبد بكامله، قال صلى الله عليه وسلم: ( من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوِّم عليه العبد قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد ) ].
[خامساً: الإذن بالتسري بالإماء] فمن أحكام الرقيق الإذن للعبد المسلم أن يتسرى بالإماء [ ليصبحن في يوم من الأيام أمهات أولاد ] فإذا كان عندك جارية أو خادمة فتزوجها حتى تصبح أم أولاد في يوم من الأيام وتصبح محررة معتوقة [ فيعتقن بذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته).
سادساً: جعل كفارة ضرب العبد عتقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه ) ] فجزاء هذا العتق.
[ سابعاً: جعل العبد يعتق لمجرد أن يملكه ذو رحم له ] فإذا ملك الشخص أحد أرحامه يعتقه [ قال الرسول ] الكريم [ صلى الله عليه وسلم: ( من ملك ذا رحم محرم فهو حر ) ] ولا يبقى عبد.
[ تنبيه:
إن قال قائل ] وعلق معلق وقال: [ لم لا يفرض الإسلام تحرير العبد فرضاً لا يسع المسلم تركه؟
قلنا: إن الإسلام جاء والأرقاء في أيدي الناس، فلا يليق بشريعة الله العادلة والتي نزلت لتحفظ للإنسان نفسه وعرضه وماله، لا يليق بها أن تفرض على الناس الخروج من أموالهم بالجملة، كما أنه ليس في صالح كثير من الأرقاء التحرر ] فهذا لا ينفعهم، بل يتضررون به [ إذ من النساء والأطفال وحتى من الرجال أيضاً من لا يستطيع أن يكفل نفسه بنفسه؛ لعجزه عن الكسب، وجهله بمعرفة طرقه، فكان بقاؤه رقيقاً مع سيده المسلم الذي يطعمه مما يأكل، ويكسوه مما يكسو به نفسه، ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق خيراً بآلاف الدرجات من إقصائه عن البيت الذي كان يحسن إليه ويرحمه، وخير له من جحيم القطيعة والحرمان] وإبعاده عنه ليموت في الجوع والشر والعياذ بالله، وهكذا. فالإسلام دين الله، وهو الدين الحق، ووالله لا عدل ولا رحمة ولا سعادة ولا طهر ولا صفاء ولا أخوة إلا في الإسلام، وحتى العبيد هو الذي رفعهم، فاللهم أحيينا عليه وأمتنا عليه يا رب العالمين.
[ ثالثاً: تاريخه ومنشؤه: عرف الرق بين البشر منذ آلاف السنين ] وإنما جاء الإسلام ليلطفه [ فقد وجد عند أقدم شعوب العالم كالمصريين والصينيين والهنود واليونانيين والرومان، وذكر في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل، وكانت هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام جارية أهداها ملك مصر لـسارة امرأة إبراهيم، وهي أهدتها لزوجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام فتسراها، فولدت له إسماعيل عليهما السلام ].
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4082 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3834 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3646 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |