البريد الأدبي
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
العيد المئوي لمعهد مصري جليل
كان الاحتفال بالعيد المئوي للمدرسة الخديوية حادثا فريداً في تاريخ مصر الثقافي والاجتماعي، فقد انقضت مائة عام كاملة مذ قام هذا المعهد الجليل ليعنى بالثقافة الإعدادية أو الثانوية؛ وكان قيامه في سنة 1836 في أبي زعبل مكان مدرسة الطب القديمة، ثم الحق بعد ذلك بمدرسة الألسن الشهيرة التي كان مقرها مكان فندق شبرد الحالي، والتي كان مديرها العلامة الشهير رفاعة رافع بك الطهطاوي؛ ثم اعيد بعد ذلك إلى أبي زعبل، ثم إلى بولاق، ثم إلى العباسية، واستقر أخيراً في بنائه الحالي بسراي فاضل باشا بدرب الجماميز منذ سنة 1888، اعني منذ ثمانية وأربعين عاما، وأطلق على المعهد اسم (المدرسة التجهيزية) إشارة إلى مهمتها في أعداد الطلبة للالتحاق بالمدارس العالية أو الخصوصية كما كانت تسمى في ذلك الوقت؛ ثم أطلق عليها اسم المدرسة الخديوية أيام إسماعيل باشا، وكان التعليم فيها داخليا مجانياً حتى أواخر القرن الماضي
وقد أنجبت المدرسة الخديوية خلال عمرها الطويل الحافل ثبتاً باهراً من العلماء والعظماء والزعماء في كل ضرب وفن، وزودت مصر الحديثة بمئات من أبنائها البررة الذين عملوا على تقدمها، وشادوا نهضتها الحديثة، وقادوها في مختلف نواحي حياتها العامة، وسهروا على مصايرها وتسديد خطاها طوال هذه الحقبة المليئة بالحوادث والخطوب من تاريخها. والمقام أضيق من أن يتسع لتعداد هذا الثبت الباهر؛ ويكفي أن نذكر أن صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا زعيم مصر المستقلة هو من خريجي هذا المعهد الجليل، وان أكابر رجال الدولة الآخرين الذين شهدوا الاحتفال بصفة رسمية كرئيس مجلس الشيوخ، ورئيس مجلس النواب، ووزير المعارف كلهم من خريجيه، وان منهم أعلاما ساطعة كأميري الشعر الحديث صبري باشا وشوقي بك، وإمام الوطنية المصرية الشاب مصطفى باشا كامل وكان الاحتفال بالغ الروعة والجلال؛ وقد بدئ في اليوم الأول، وهو يوم الاثنين الماضي بإقامة حفلة رياضية شائقة في النادي الأهلي اشترك في مباراتها كبار الرياضيين القدماء من خريجي الخديوية؛ وكان منظراً شائقاً مؤثراً أن ترى أولئك الكهول الذين شابت نواصيهم وصلعت رؤوسهم يرتدون ثياب اللعب القديمة فرحين جذلين، ويلعبون متأثرين متحمسين؛ ثم أقيمت في المساء بدار الأوبرا الملكية حفلة تمثيلية موسيقية؛ وفي اليوم التالي أقيم الاحتفال الرسمي الكبير في سرادق فخم رحيب نصب في فناء المعهد القديم، واحتشد فيه آلاف من خريجي الخديوية؛ وانتظموا جماعات يجمع بينها عهد التخرج؛ وكان لقاء الخريجين بعد هذا البعاد الطويل مؤثراً، وكان بعضهم يعانق بعضا في مظاهر من الحنان المشجي، ألقيت في الاحتفال خطب رنانة، اشترك في إلقائها وزير المعارف، رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشيوخ، وناظر المدرسة الحالي وبعض الخريجين وبعد أن قام مندوب جلالة الملك بوضع الحجر الأساسي بفناء المعهد الجديد اختتم الاحتفال بمنظر بالغ في الطرافة والروعة، إذ هرع المدعوون جميعا وفي مقدمتهم مندوب جلالة الملك والوزراء والعظماء والخريجين على اختلاف أعمارهم ومراتبهم إلى قاعات طعام معهدهم القديم، وجلسوا جميعا يتناولون الشاي والفطائر على موائدهم الخشبية القديمة عارية كما عرفوها أيام الدرس، فكان لذلك منظر مرح ومؤثر معاً بول بورجيه بالعربية ظهرت أخيراً ترجمة عربية لأثر من الآثار الغربية الخالدة هو قصة (التلميذ بقلم بول بورجيه الكاتب الفرنسي الكبير وعضو الأكاديمية الفرنسية؛ أخرجها بالعربية الأستاذ عبد المجيد نافع المحامي.
وقد ظهرت القصة لأول مرة في سنة 1892، وبورجيه يومئذ في عنفوان شبابه، فنالت نجاحاً عظيما، وحملته إلى الطليعة بين كتاب العصر، ومهدت لدخوله بعد ذلك بعامين في الأكاديمية الفرنسية وانتظامه في سلك الخالدين.
ويعتبرها البعض أعظم قصصه، وأمتنها أسلوباً، أوفرها امتناناً.
أما الترجمة العربية فهي متينة بليغة تشهد لمترجمها بما بذل في سبيلها من جهد شاق يقدره على الأخص أولئك الذين يقرءون لبورجيه بالفرنسية ويعرفون روعة أسلوبه، ودقة بيانه، وقوة تعبيره وقد توفى بورجيه منذ نحو عام في الثانية والثمانين من عمره بعد أن غمر الأدب الفرنسي بفيض رائع من شعره وقصصه ومسرحياته وآثاره النقدية وظهور مثل هذه الآثار الخالدة من الأدب الغربي مترجمة بأقلام رصينة بارعة كقلم الأستاذ نافع مما يبعث إلى الغبطة، ويدفع بالترجمة إلى غايتها المقصودة، ويرتفع بالتراث المترجم إلى المستوى الرفيع الذي نرجوه غذاء للعقلية المصرية الفتية في عصر النهضة والاستقلال معهد ألماني جديد للتمثيل يفتتح في يناير الحالي معهد جديد للتمثيل في مدينة ميونيخ (منشن) عاصمة بافاريا (بألمانيا)، وسيكون برنامجه شاملا لدراسة فن التمثيل ذاته، وفن الزخرفة والإخراج، وتنظيم الأزياء والمناظر، وتاريخ المسرح، ومدة الدراسة فيه سنتان.
والجديد في هذا المسرح أن أساتذته سيختارون جميعاً من بين الشباب.
ولميونيخ شهرة خاصة بفنها المسرحي، وبها مسرح تاريخي قديم تمثل فيه أرقى الروايات الألمانية يقع إلى جانب القصر الملكي القديم؛ وفي كل عام ينظم فيها مسرح عظيم في العراء يشهده الألوف مجموعة شعرية عن الريف المصري صدرت أخيراً بالفرنسية مجموعة شعرية عن الريف المصري بعنوان (في الجنوب تحت السماء الحارة) , بقلم السيدة نيللي فوشيه زنانيري؛ والسيدة نيللي مصرية المولد والنشأة والوطن، ومن الشخصيات المعروفة في الأوساط الاجتماعية المصرية الأوربية؛ وهي كاتبة وشاعرة قديرة تعبر عن خواطرها باللغة الفرنسية، وعضو في نادي القلم المصري.
وقد أصدرت من قبل مجموعتين شعريتين أخريين؛ ومجموعتها الجديدة تحتوي خمس وعشرين قصيدة كلها وصف وتصوير للمناظر الطبيعية المصرية والريف المصري بشمسه الوضاءة وفلواته الشاسعة، ورماله وضبابه ورذاذه المنعش؛ وهذه القطع الشعرية تفيض قوة ورقة، كما أنها تفيض موسيقى.
ذلك أن الخيال الذي أخرجها قد صاغته الطبيعة المصرية، ونما وترعرع في ظلها، فهو يحسن لذلك التعبير عنها وعن مؤثراتها.
وقد زينت هذه المجموعة الشعرية بعدة صور فنية بديعة المدينة الخالدة ومجتمع المستقبل منذ نصف قرن اصدر الكاتب الأمريكي إدوارد بلامي كتابه أو قصته عن الحروب الجوية، وعنوانها (نظرة إلى الوراء من سنة 2000 إلى سنة 1887) فيها تخيل أن الحرب قد انتقلت من الأرض إلى الجو، وأن معارك جوية ستنشب في السماء كما تنشب المعارك بين الجيوش البرية؛ وقد أيدت الحوادث خيال الكاتب، فلم تجيء الحرب الكبرى حتى كانت أساطيل من الطيارات تملأ الجو، وحتى كانت المعارك الحامية تنشب في الهواء وقد صدرت أخيراً بالألمانية قصة جديدة من هذا النوع في تصور المستقبل، وهي ليست قصة عسكرية كقصة بلامي، بل قصة اجتماعية عنوانها (المدينة الخالدة) بقلم الكاتب النمسوي الكبير البارون فون ليفنتال؛ والمدينة الخالدة هي مدينة فيينا عاصمة النمسا؛ ويصور لنا الكاتب في قصته ماذا سيكون عليه المجتمع النمسوي سنة 2000، وهو يتوقع أن يكون النظام السائد يومئذ هو نظام النقابات؛ ويتوقع أن ينعم المجتمع بكثير من الرخاء والرفاهة، وأن يحتفظ المجتمع النمسوي خلال هذه الحقبة دائماً بميوله المرحة، وتفاؤله رغم كل الظروف والمحن؛ وقصة البارون ليفنتال تفيض وطنية وحماسة وقد استقبلت في النمسا استقبالاً عظيما، وذاعت ذيوعاً كبيراً، وهي اليوم كتاب الموسم في العاصمة النمسوية؛ وتعتبر في نظر النقدة أصدق صورة للروح النمسوية والعواطف الفينية التي تجنح في مجموعها إلى المرح والدعابة والترويح عن النفس، واستقبال الحياة دائماً بالابتسام والرضى