سلسلة منهاج المسلم - (181)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي الجامع للشريعة الإسلامية كافة، عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً. وها نحن مع الأحكام.

[ المادة التاسعة: في الحضانة ] فالكتاب عبارة عن مواد، مادة أولى وثانية وثالثة؛ لأنه موضوع دستوراً شاملاً.

تعريف الحضانة

[ أولاً: تعريفها: الحضانة: هي إيواء الصغير وكفالته إلى سن البلوغ ] فإن كان ذكراً فحتى يبلغ سن الرشد، وإن كان أنثى حتى تحيض أو تتزوج. هذه هي الحضانة.

حكم الحضانة

[ ثانياً: حكمها ] أي: حكم الحضانة في الإسلام [ الحضانة واجبة ] مفروضة لازمة [ للصغار للمحافظة على أبدانهم وعقولهم وأديانهم ].

من تجب عليه الحضانة

[ ثالثاً: على من تجب ] الحضانة؟ [ تجب حضانة الصغار على الأبوين ] أي: الأم والأب [ فإن فقدا ] أي: مات الأب والأم [ فعلى الأقرب فالأقرب ] فإن وجد الأب فالأب، أو الأم فالأم، فإن ماتا ولم يوجدا فالأقرب فالأقرب، أخت الأم وأخت الأب وهكذا [ من ذوي قراباتهم، وإن انعدمت القرابة ] كلها [ فعلى الحكومة، أو جماعة المسلمين ] فإذا الحكومة ما عملت أو ما وجدت من يحضنه فعلى جماعة المسلمين، فهم الذين يتولون ولاية هؤلاء الأطفال ورعايتهم ويحضنونهم؛ لأن القاعدة العامة في الإسلام: إن انعدم الحاكم فجماعة المسلمين تقوم مقامه.

الأولى بحضانة الطفل

[ رابعاً: من الأولى بحضانة الطفل؟ إذا حصلت الفرقة بين أبوي الطفل ] أي: أمه وأبيه [ بطلاق أو وفاة ] كأن يطلق الرجل امرأته أو يموت أحدهما، فالفرقة تتم بالطلاق وبالوفاة أيضاً [ كان الأحق بحضانته أمه ما لم تتزوج ] وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم لمن شكت إليه انتزاع ولدها ] منها قال لها: [ (أنتِ أحق به) ] أي: بولدك [ ( ما لم تنكحي ) ] أي: تتزوجي، فإن تزوجت فليس لها حق به [ فإن لم تكن فأم الأم - الجدة- ] أي: إن لم تكن الأم موجودة فالجدة [ فإن لم تكن فالخالة ] أخت الأم [ لأن الجدة لأم تعتبر أماً، والخالة تعتبر بمنزلة الأم ] أيضاً؛ [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الخالة بمنزل الأم ) ] فخالتك كأمك [ فإن لم تكن ] الخالة موجودة [ فأم الأب - الجدة- فإن لم تكن فالأخت، فإن لم تكن فالعمة، فإن لم تكن فبنت الأخ، فإن لم يوجد من المذكورات حاضنة انتقلت حضانة الطفل إلى أبيه، ثم جده، ثم أخيه، ثم ابن أخيه، ثم عمه، ثم الأقرب فالأقرب من العصبة، والشقيق يقدم على الذي لأب، كما أن الشقيقة تقدم على التي لأب ] أيضاً.

ما يسقط حق الحضانة

[ خامساً: متى يسقط حق الحضانة؟

لما كان الغرض من الحضانة هو المحافظة على حياة الطفل ] الصغير [ وتربيته جسمانياً ] أي: جسدياً [ وعقلياً وروحياً ] أي: دينياً [ كان حق الحضانة يسقط عن كل من لم يحقق للطفل أغراض الحضانة وأهدافها ] سواء كان أماً أو أباً [ فيسقط حق الأم إذا تزوجت بغير قريب من الطفل المحضون ] فلو تزوجت بعمه فلا بأس؛ [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما لم تنكحي ). إذ زواجها بأجنبي تتعذر معه رعاية الطفل والمحافظة عليه. كما يسقط حق الحضانة أيضاً عن الحاضنة في الأحوال الآتية:

أولاً: إذا كانت مجنونة أو معتوهة ] فلا تربي الطفل ولا تحضنه أبداً.

[ ثانياً: إذا كانت مريضة مرضاً معدياً كجذام ونحوه ] وبرص وما إلى ذلك، فلا تحضنه.

[ ثالثاً: إذا كانت صغيرة غير بالغة ولا رشيدة ] فلا تحضنه أيضاً، ولو كانت أماً.

[ رابعاً: إذا كانت عاجزة عن صيانة الطفل والمحافظة على بدنه وعقله ودينه ] فلا ينبغي أن تحضنه، ولا حق لها في الحضانة؛ لأن العلة هي أن يحفظ هذا الولد في دينه وعقله وبدنه.

[ خامساً: إذا كانت ] الحاضنة [ كافرة ] فلا تحضن، فتسقط الحضانة [ خشية على دين الطفل وعقائده ] فالكافرة إذا حضنت الطفل وتربى في حجرها فإنه يتربى على الكفر الذي هي عليه، فلا يجوز للكافرة أن تحضن، وهذا يحتاج إليه سكان أوروبا وأمريكا من المسلمين، فالمتزوج بمسيحية كافرة إذا طلقها لا يترك طفله لها؛ لأنها ستحوله إلى كافر، بل يأخذ طفله، وتحضنه امرأة مؤمنة كيفما كانت؛ لأنه إذا تربى في حضن كافرة يصبح مسيحياً.

مدة الحضانة

[ سادساً: مدة الحضانة: يمتد زمن الحضانة إلى أن يبلغ الغلام ] سن التكليف بأن يبلغ الخامسة عشرة، أو يحتلم، أو ينبت الشعر عند فرجه [ و] إلى أن [ تتزوج الجارية ] أي: الطفلة، ولو في التاسعة من عمرها أو العاشرة أو الحادية عشرة فتنتهي الحضانة [ ويدخل بها زوجها ] وأما إذا عقد عليها فقط ولم يبن بها فيبقى لها الحضانة [ غير أنه في حال انفصال الزوجة عن زوجها، واستقلال الأم وغيرها بحضانة الولد تكون مدة الحضانة بالنسبة إلى الجارية ] البنت الصغيرة [ سبع سنوات فقط، ثم تنتقل حضانتها إلى الوالد؛ إذ هو أولى بها بعد السابعة من سائر الحاضنات، كما أن الغلام إذا بلغ السابعة خير بين أمه ووالده، فأيهما اختار ] مشى معه و[ انتقلت حضانته إليه، وإن لم يختر أحدهما وتشاحا في ذلك ] هذا يقول: لي، وهي تقول: لها [ أقرع بينهما ] بالقرعة، فمن خرجت القرعة له أخذ الولد سواء أمه أو أبيه.

نفقة الولد وأجرة الحاضنة

[ سابعاً: نفقة الولد ] أي: طعامه .. شرابه .. ثيابه .. منزله [ وأجرة الحاضنة ] التي تحضن هذا الولد وتعيش معه وتحفظه [ على الأب المحضون له، نفقة ولده وأجرة الحاضنة بحسب حاله ] غنىً وفقراً [ لأن الحاضنة كالمرضعة، والمرضعة لها أجر الرضاع؛ لقوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6] ] فالحاضنة كالمرضعة، لا بد أن تأخذ أجرة على حضانتها [ إلا أن تتطوع الحاضنة بخدمتها فلا شيء في ذلك ] كأن تقول: لن آخذ شيئاً، ولست في حاجة إلى شيء، وأنا أربي هذا الطفل لله، فلا حرج [ وتقدر نفقة الولد وأجرة الحاضنة بحسب يسار المحضون له وإعساره ] وذلك [ لقوله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7] ] ضيق [ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7] ].

تردد المحضون بين أبيه وأمه

[ ثامناً: تردد المحضون بين أبيه وأمه: إذا بلغ الطفل سبعاً ] من السنين [ وخير بين أمه وأبيه فإن اختار الأم عندها بالليل وعند أبيه بالنهار، وإن كان اختار الأب كان عنده بالليل والنهار؛ إذ وجوده بالنهار عند أبيه أحفظ له غالباً؛ إذ يقوم بتربيته وتعليمه، ولا تقوم به الأم غالباً. كما يجب إذا اختار الأب ألا يمنع من أمه في أي وقت ممكن ] بالليل والنهار [ إذ صلة الرحم واجبة، والعقوق حرام ] فلا يحل لأبيه أن يمنع الابن من زيارة أمه أبداً.

السفر بالطفل المحضون

[ تاسعاً: السفر بالطفل: إذا أراد أن يسافر أحد الأبوين سفراً يعود بعده إلى البلد ] الذي كان فيه [ كان الولد عند المقيم منهما ] فإن سافر الأب يبقى عند أمه، وإن سافرت الأم يبقى عند أبيه [وإن كان المريد السفر لا يعود إلى البلد، ينظر ] حينئذ [ في مصلحة الطفل هل هي مع من بقي في البلد من أب أو أم أو مع من انتقل إلى بلد آخر ليقيم به، فحيث تحققت مصلحة الطفل كان مع من يحققها له؛ إذ المصلحة هي الهدف من الحضانة المقصود للشارع ].

الطفل المحضون أمانة عند من يحضنه

[ عاشراً وأخيراً: الطفل المحضون أمانة ] عند حاضنه، أمه أو أبيه أو خاله أو عمه [ يجب على الحاضنة أن تعلم أن الطفل المحضون أمانة ] عندها [ تلزمها مراعاته والمحافظة عليه؛ فإن شعرت أنها عاجزة عن التربية الكافية والرعاية التامة ] لهذا الولد [ وجب عليها أن تضع هذه الأمانة في يد تقوى على رعايتها وصيانتها ] أي: يد أقوى منها، ولا تحضنه هي، فإذا الأم عرفت أنها عاجزة عن حفظ الولد وتربيته فتضعه في يد عمه أو أخيه أو أبيه، ولا يبقى عندها [ فلا تنبغي أن تكون الأجرة التي تتلقاها من المحضون له هي الغاية من حضانته، فتصر على إبقاء الطفل في حضانتها من أجل ذلك ] فهذا لا يجوز، فإن عجزت عن التربية ولم تستطع تربية هذا الولد ولا حفظه فتعطيه من يحضنه من أب أو عم أو خال أو خالة [ ومن هنا وجب على ولي الطفل كما هو واجب القضاة أن يراعوا دائماً ] وأبداً [ في باب الحضانة مصلحة الطفل فقط ] لا مصلحة أبيه ولا أمه [ وهي تربية جسمه وعقله وروحه، بدون التفات إلى أي اعتبار آخر؛ إذ صيانة الطفل هي الغاية المقصودة للشارع من الحضانة ].

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

[ أولاً: تعريفها: الحضانة: هي إيواء الصغير وكفالته إلى سن البلوغ ] فإن كان ذكراً فحتى يبلغ سن الرشد، وإن كان أنثى حتى تحيض أو تتزوج. هذه هي الحضانة.