أرشيف المقالات

تفسير سورة الأنعام الآيات (81: 83)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
تفسير سورة الأنعام الآيات (81: 83)


﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 81].

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ﴾ مَعْبُوداتِكُمْ[1]، وَهِيَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ[2].
 
﴿ وَلَا تَخَافُونَ ﴾ أنْتُمْ مِنَ اللَّهِ ﴿ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ﴾ فِي الْعِبَادَةِ، وَهُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُخافَ مِنْهُ كُلَّ الخَوْفِ[3]؛ لِأنَّهُ هُوَ الضَّارُّ النَّافِعُ جَلَّ وَعَلَا، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران:175].
 
﴿ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ﴾ أي: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَكُمْ عَلَى هَذَا الْإِشْرَاكِ حُجَّةٌ أَوْ بُرْهانٌ[4].
 
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ﴾ فَرِيقُ الْمُوحِّدِينَ أَمْ فَرِيقُ الْمُشْرِكِينَ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ مَنِ الْأَحَقُّ فاتَّبِعُوهُ، وَالْأَحَقُّ بِلَا شَكٍّ فَرْيقُ الْمُوحِّدِينَ[5].
***

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [سورة الأنعام:82].

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا ﴾ يَخْلِطُوا[6] ﴿ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ أيْ: شِرْكٍ، كَما ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَينِ[7] عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وقَالُوا: «أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] »[8].
 
وَقَولُهُ: ﴿ بِظُلْمٍ ﴾ نَكِرَةٌ فِي سِياقِ النَّفِي، فَيَعَمُّ كُلَّ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ، وَلَكِنَّ الْعُمُومَ هُنَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ، فَيكُونُ الْمُرَادُ بِهِ عُمُومَ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ، وَلَيْسَ عُمُومَ أَنْوَاعَ الظُّلْمِ[9].
 
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾ الْمُطْلَقُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ ﴿ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ الْهِدَايَةُ التَّامَّةُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.
 
وَفِي الْآيَةِ فَوَائِدُ:
مِنْهَا: فَضْلُ التَّوْحِيدِ.
 
وَمِنْهَا:أَنَّ الشِّرْكَ ظُلْمٌ مُبْطِلٌ لِلإِيْمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ كَانَ أَكْبَرُ، أَوْ مُنْقِصٌ لَهُ إِنْ كَانَ أَصْغَرَ[10].
 
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُوَحِّدِينَ هُمُ الْآمِنُونَ مِنَ الْمَخَاوِفِ وَالْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
 
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُوَحِّدِينَ أَيْضًا هُمْ الْمُهْتَدُونَ للسير عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ في الدَّارَيْنِ[11].
 
وَمِنْهَا: أَنَّ الَّذِينَ خَلَطُوا إِيْمَانَهُمْ بِشِرْكٍ لَا يَحْصُلُ لِهُمْ هِدَايَةٌ، وَلَا أَمْنٌ، بَلْ حَظَّهُمْ الضَّلَالُ وَالشَّقَاءُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَلَهَذَا يَقُولُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: "عَلَى قَدَرِ الشِّرْكِ يَكُونُ الرُّعْبُ، فَالْمُشْرِكُ بِاَللَّهِ أَشَدُّ شَيْءٍ خَوْفًا وَرُعْبًا، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِالشِّرْكِ لَهُمْ الْأَمْنُ وَالْهُدَى وَالْفَلَاحُ، وَالْمُشْرِكُ لَهُ الْخَوْفُ وَالضَّلَالُ وَالشَّقَاءُ"[12].
***

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الأنعام:83].

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ﴾ إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنِ اسْتِدْلَالِهِ وَاحْتِجَاجِهِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حَتَّى خَاصَمَهُمْ وغَلَبَهُمْ بِالْحُجَّةِ[13].
 
﴿ آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ ﴾ أيْ: أعْطَيْناهُ إِيَّاهَا، وَأَرْشَدْناهُ إلَيْهَا[14] ﴿ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾ أَيْ: بِالْعِلْمِ والْفَهْمِ وَالدِّينِ وَالْإِمَامَةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْعَقْلِ[15]، نَسَأْلُ اللهَ تَعَالَى الْكَرِيمَ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ.
 

﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ﴾ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بِخَلْقِهِ.




[1] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 170)، تفسير النسفي (1/ 518).


[2] ينظر: تفسير الجلالين (ص175).


[3] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 170).


[4] ينظر: الوجيز للواحدي (ص363).


[5] ينظر: مباحث العقيدة في سورة الزمر (ص222).


[6] ينظر: تفسير البغوي (3/ 164).


[7] ينظر: تفسير الجلالين (ص175).


[8] صحيح البخاري برقم (3360)، صحيح مسلم برقم (124).


[9] ينظر: تفسير الماوردي (2/ 138)، تفسير العز بن عبد السلام (1/ 447).


[10] ينظر: الملخص في شرح كتاب التوحيد (ص24).


[11] المصدر السابق.


[12] زاد المعاد (3/ 203).


[13] ينظر: تفسير القرطبي (7/ 30).


[14] ينظر: فتح القدير(2/ 154).


[15] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (2/ 294)، تفسير البغوي (3/ 164).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣