سلسلة منهاج المسلم - (140)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة.. ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية عامة عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وها نحن في كتاب البيوع، وفي بيان أنواع من البيوع ممنوعة، لا نبيع بها ولا عليها، وتقدم لنا منها ستة أنواع وها نحن مع السابع فهيا بنا نقرأ.

سابعاً: بيع العربون

قال: [ سابعاً: بيع العربون: لا يجوز للمسلم أن يبيع بيع عربون ] والمسلمة كالمسلم [ أو يأخذالعربون بحال من الأحوال] لا يستلم العربون بحال من الأحوال. لماذا؟ [ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: ( أنه نهى عن بيع العربون ) ] وصح هذا في الحديث الصحيح.

[ قال مالك ] في موطئه رحمه الله في بيان العربون [ هو أن يشتري الرجل الشيء ] أي شيء يشتريه [ أو يكتري ] أي شيء يكتريه [ الدابة أو السيارة ] قبل أن يستلمه [ ثم يقول: أعطيتك ديناراً على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك ] فهذه صورة من صوره، تشتري دابة أو تكتري سيارة فتعطيه ألف ريال أو ألفين وتقول له: إذا أنا ما أكملته ولاخذته فهذا المبلغ لك، فهذا حرام لا يجوز أخذه. مقابل ماذا؟!

ثامناً: بيع ما ليس عنده

[ ثامناً:] حرمة [ بيع ما ليس عنده ] لا يحل لمسلم أن يبيع شيئاً لا يملكه، أو ليس هو عنده.

[ لا يجوز للمسلم أن يبيع السلعة ليست عنده ] أي: ليست في جيبه ولا في صندوقه ولا في دكانه، سواء كانت قماشاً أو طعاماً أو غير ذلك [ أو شيئاً ] من الأشياء ليس عنده [ قبل أن يملكه ] أما إذا ملكه يبيعه أما قبل أن يملك فلا يصح له أن يبيع أبداً ولو كان كتاباً من الكتب [ لما قد يؤدي إليه ذلك من أذية البائع والمشتري في حال عدم الحصول على السلعة المبينة ] أنت بعت شيئاً ليس عندك، هاته تقول: لم أستطع! لماذا هذه الفتنة؟ لا يجوز أبداً أن يبيع المسلم شيئاً لم يكن مالكاً له وفي قبضته، فكيف تأخذ وتبيع وأنت لم تأتني بالسلعة؟!

[ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تبع ما ليس عندك ) ] الذي ما هو في جيبك ولا في بيتك ولا في دكانك لا تبعه؛ لما يترتب عليه من الأذى بين البائع والمشتري، فهذا توجيه نبوي[ ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الشيء قبل قبضه ) ] والنهي هنا للتحريم ليس للكراهة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشيء قبل قبضته، فمثلاً: اشتريت مني شيئاً قبل أن تقبضه فلا تبعه حتى تقبضه ويصبح في يدك، فعندئذ تبيعه لمن شئت.

تاسعاً: بيع الدين بالدين

[ تاسعاً ] النوع التاسع [ بيع الدين بالدين ] لي دين على فلان فأبيع هذا الدين بدين آخر.

وبيانه قال: [ لا يجوز للمسلم أن يبيع ديناً بدين؛ إذ هو في حكم بيع المعدوم بالمعدوم ] كيف تبيع شيئاً غير موجود بشيء غير موجود؟ فبيع المعدوم بمعدوم لهو ولعب وباطل[ والإسلام لا يجيز هذا، ومثال بيع الدين بالدين هو: أن يكون لك على رجل قنطار بن ] أو تمر أو بر أو كذا كسوة ثياب [ إلى أجل ] له مدة معينة [ فتبيعه إلى آخر أيضاً بمائة ريال إلى أجل ] آخر ، فهذا بيع دين بدين لا يجوز.

[ ومثال آخر: أن يكون لك على رجل شاة ] أي: من الغنم [ إلى أجل ] بعد ستة أشهر أو سنة [ فلما يحل الأجل يعجز المدين عن أدائها لك ] أي: لم يستطع أن يسلم لك الشاة [ فيقول لك: بعنيها بخمسين ريالاً إلى أجل آخر ] فلا يجوز، فهذا بيع دين بدين [ فتكون قد بعته ديناً بدين، وقد ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ ) أي: الدين بالدين ].

عاشراً: بيع العينة

[العاشر ] من البيع الممنوع [ بيع العينة: لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئاً ] من الأشياء [ إلى أجل، ثم يشتريه ممن باعه له بثمن أقل مما باعه به ] هو [ لأنه إذا باعه إياه بعشرة ثم اشتراه منه بخمسة يكون كمن أعطى خمسة إلى أجل بعشرة، وهذا عين ربا النسيئة المحرم بالكتاب والسنة والإجماع؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر ) ] انشغلوا بالبقر والغنم [ (وتركوا الجهاد في سبيل الله) ] فالعقوبة: [ ( أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم ) ] وقد تم هذا بالحرف الواحد.

[ وقالت امرأة لـعائشة رضي الله عنها: إني بعت غلاماً من زيد بن الأرقم بثمانمائة درهم ] نسيئة مؤجلة مؤخرة [ إلى أجل، وإني اشتريته منه ] بعدما أصبح له بدين [ بستمائة درهم نقداً، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: بئس ما اشتريت وبئس ما بعت، إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب ] أي: ما استفاد من جهاده إلا أن يتوب، فلا يثاب عليه إلا إذا تاب وعاد إلى الله.

الحادي عشر: بيع الحاضر للباد

[ الحادي عشر ] من البيوع الممنوعة [ بيع الحاضر للباد ] البدوي.

[ إذا أتى الباد أو الغريب عن البلد بسلعة يريد أن يبيعها في السوق بسعر يومها لا يجوز للحضري أن يقول له: اترك السلعة عندي وأنا أبيعها لك بعد يوم أو يومين ] أو أيام [ بأكثر من سعر اليوم، والناس في حاجة إلى تلك السلعة ] وهو يشتريها ويخبئها ليبيعها بأغلى [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) ] فبيع الحاضر للبادي ممنوع.

الثاني عشر: الشراء من الركبان

[ البيع الثاني عشر ] من المحرمات [ الشراء من الركبان: لا يجوز للمسلم أن يسمع بالسلعة قادمة إلى البلد ] يحملها ركابها بالسيارة أو بالطيارة أو بالبعير [ فيخرج ليتلقاها من الركبان خارج البلد فيشتريها منهم هناك ثم يدخلها فيبيعها كما شاء ] لما في ذلك من التغرير بأصحاب السلعة، والإضرار بأهل البلد من تجار وغيرهم؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد ) ] فقوله: (لا تتلقوا الركبان) السلعة قادمة فيخرج لها قبل المدينة بكذا كيلو ويشتريها هناك.

الثالث عشر: بيع المصراة

[ البيع الثالث عشر ] من البيوع المحرمة [ بيع المصراة: لا يجوز للمسلم أن يصري الشاة أو البقرة أو الناقة بمعنى: يجمع لبنها في ضرعها ] لا يمسه ولا يحلبه [ أياماً لترى ] ويراها الراعي [ وكأنها حلوب، فيرغب الناس في شرائها ] لما يشاهدوا [ فيبيعها ] هذا حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ [ لما في ذلك من الغش والخديعة ] ولا يجوز لمسلم أن يغش مسلماً أو يخدعه [ قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تصروا الإبل والغنم ) ] معنى (لا تصروا): لا تجمعوا اللبن في ضرعها يوماً أو يومين أو ثلاثة حتى ترى وكأن اللبن فيها كثير [ ( فمن ابتاعها بعد ذلك -اشتراها- فهو بخير النظرين ) ] أو الحالين [ ( بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ) ] ولم يرضها [ (ردها وصاعاً من تمر ) ] أي: ردها ورد معها صاعاً من تمر، والصاع أربع حفنات مقابل اللبن الذي أخذه، والحاكم في هذا الحكم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما ترك في الأمة شيئاً هي في حاجة إلى بيانه إلا بينه.

الرابع عشر: البيع عند النداء الأخير لصلاة الجمعة

[ الرابع عشر ] من البيوع المحرمة [ البيع عند النداء الأخير لصلاة الجمعة: لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئاً أو يشتري شيئاً وقد نودي لصلاة الجمعة النداء الأخير الذي يكون معه الإمام على المنبر ] يحرم البيع والشراء، أما النداء الأول فلا بأس [ وذلك لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] ] أي: اتركوا البيع، والشراء مثله.

الخامس عشر: المزابنة أو المحاقلة

[ الخامس عشر ] من البيوع الممنوعة [ بيع المزابنة أو المحاقلة: لا يجوز للمسلم أن يبيع عنباً في الكرم ] وهو شجر العنب [ خرصاً ] بالتخريص [ بزبيب ] يابساً جافاً [ كيلاً ] كأن يدخله البستان لينظر إلى العنب وما فيها فيبيعه بقنطار كذا زبيب، فلا يجوز هذا أبداً، أو يدخله إلى بستان لينظر إلى النخيل وما فيها في عراجينها وأقنيتها فيبيعها بقنطارين أو ثلاثة تمراً يابساً، فلا يجوز [ ولا زرعاً في سنبله بحب كيلاً، ولا رطباً في النخل بتمر كيلاً إلا بيع العرايا ] وهي جمع عارية فيجوز [ فقد رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم ] وبيانه: [ وهو أن يهب المسلم ] يعطي المسلم [ لأخيه المسلم نخلة أو نخلات لا يتجاوز تمرهن خمسة أوسق ] فقط، وهو القدر الذي تجب فيه الزكاة [ ثم يتضرر بدخوله عليه ] ليجني التمر [ كلما أراد أن يجني من رطبه فيشتريها منه بخرصها تمراً ] فمن هنا يجوز له أن يعطيه تمراً جافاً ولا حرج، ويترك النخلات بتمرها، وهذا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[والدليل الأول: قول ابن عمر رضي الله عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، وهي: أن يبيع تمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً )] الزبيب والتمر معروفان [(وإن كان زرعاً أن يبيعه بطعام كيلاً، نهى عن ذلك كله).

والدليل الثاني: قول زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها) ] أعطاه عرية من العرايا فلا حرج.

السادس عشر: بيع الثنيا

[ البيع السادس عشر ] المحرم والأخير [ بيع الثنيا: لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئاً ويستثني بعضه ] والثنية هي الاستثناء [ إلا أن يكون ما يستثنيه معلوماً ] واضحاً [ فإذا باع بستاناً -مثلاً- لا يصح أن يستثني منه نخلة أو شجرة غير معلومة ] أما المعلومة فلا بأس [ لما في ذلك من الغرر المحرم؛ وذلك لقول جابر رضي الله عنه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة ) ] وقد تقدمت المحاقلة والمزابنة [ ( والثنيا إلا أن تعلم ) ] الاستثناء إذا عرف النخلة أو الشجرة التي استثنيتها فلا بأس، لكن بلفظة عام لا يجوز.

قال: [ سابعاً: بيع العربون: لا يجوز للمسلم أن يبيع بيع عربون ] والمسلمة كالمسلم [ أو يأخذالعربون بحال من الأحوال] لا يستلم العربون بحال من الأحوال. لماذا؟ [ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: ( أنه نهى عن بيع العربون ) ] وصح هذا في الحديث الصحيح.

[ قال مالك ] في موطئه رحمه الله في بيان العربون [ هو أن يشتري الرجل الشيء ] أي شيء يشتريه [ أو يكتري ] أي شيء يكتريه [ الدابة أو السيارة ] قبل أن يستلمه [ ثم يقول: أعطيتك ديناراً على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك ] فهذه صورة من صوره، تشتري دابة أو تكتري سيارة فتعطيه ألف ريال أو ألفين وتقول له: إذا أنا ما أكملته ولاخذته فهذا المبلغ لك، فهذا حرام لا يجوز أخذه. مقابل ماذا؟!