خطب ومحاضرات
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [22]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التيمم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل)، وذكر الحديث ].
المقصود بالتيمم لغة واصطلاحاً
أدلة مشروعية التيمم
والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة في الجملة، والكتاب ثابت لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43].
وأما من السنة: فإن التيمم أحاديثه من المتواتر المعنوي، فقد جاء في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم، ولعل أشهرها هو حديث الباب حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأينما أدركت أحداً من أمتي الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )، هذا الحديث من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وسوف نتحدث عنه.
الحديث الثاني: حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمه أنه قال: ( أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى أتى إلى جدار فتيمم ثم رد عليه السلام )، والحديث معروف أخرجه البخاري و مسلم .
والحديث الآخر: حديث عائشة رضي الله عنها، وهو سبب فرضية التيمم أنها قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس
ويجعل الله سبحانه وتعالى البركة في الزمان، وأدلتها كثيرة، فجعل في رمضان بركة، وجعل في العشر الأواخر بركة، وجعل في آخر ساعة من يوم الجمعة بركة، وجعل عند خطبة الجمعة بركة، وجعل في السحر بركة، وجعل بعد أدبار الصلوات بركة، وجعل سبحانه وتعالى بعد العصر بركة، قال صلى الله عليه وسلم: ( ورجل بايع رجلاً بعد العصر فحلف له بالله أنه أخذها بكذا )، دليل على عظم وقت بعد العصر، وكل هذا يدل: على أن الله سبحانه وتعالى لا يختار إلا ما هو خير، وقال تعالى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2]، قال أهل العلم: فيه دلالة على أن وقت الضحى وقت بركة كما جاء في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، فكل هذه أوقات يختارها ربي كما يشاء: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].
ومن أدلة التيمم: حديث حذيفة رضي الله عنه، وسيأتي، وحديث علي بن أبي طالب وسيأتي، وحديث أبي ذر و أبي هريرة رضي الله عن الجميع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، هذه بعض أدلة التيمم.
من السنة وأما الإجماع: فقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع أهل العلم على مشروعية التيمم، نقل الإجماع ابن قدامة و النووي و الشوكاني وغير واحد من أهل العلم، وإجماعهم على المشروعية في الجملة، وإلا فقد اختلفوا فيما يجزئ من الصعيد، وعدد الضربات وغير ذلك مما سوف يأتي إن شاء الله تقريره في هذا الكتاب كتاب التيمم.
والتيمم هو من خصوصية هذه الأمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي )، وقال: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وفي رواية: ( وجعلت تربتها لنا طهوراً )، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الإمام أحمد وهو حديث جيد أنه قال: ( وجعلت لي الأرض مساجد وطهوراً فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، واحفظ هذه الجملة ( فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، الحديث، والحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد قال الإمام البخاري : رأيت الحميدي و أحمد و علي بن المديني يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده ومن الأئمة بعدهم؟ هكذا يقول البخاري : ومَن الأئمة بعدهم؟!
تخريج حديث: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ...)
وقد كان أحمد رحمه الله يأتي هشيم بن بشير . يقول الراوي: فرأيت أحمد خرج من صلاة العشاء حتى وقف على باب هشيم فجعل يسأله ويتحدثان حتى أذن الفجر، الله أكبر حتى أذن الفجر.
لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد
لا تلم من جعل العلم يجري بدمه كما يجري الدم من جسد الإنسان، هذا نعمة من الله سبحانه وتعالى، وأشار أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن الله سبحانه وتعالى قذف في قلوب أهل الرعيل الأول محبة في العلم، حتى إنهم ربما تركوا الطعام والشراب كل ذلك حفظاً للدين، والله سبحانه وتعالى قد حفظ لهذه الأمة دينها، وقد قال عمر رضي الله عنه: إن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه، فالدين والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذه سنة الرحمن، الحق محفوظ، والدين محفوظ، لكن العبرة فينا نحن، هل نحن نكون من أوليائه؟ وهل نحن نكون من ضمن لواء الحمد الذي يرفعه صلى الله عليه وسلم، فيأتي النبيون ومن بعدهم من أهل طاعته ينضوون تحت لواء الحمد أم لا؟ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته.
مفهوم العدد في قوله: (أعطيت خمساً)
وقال بعضهم: إنما كان صلى الله عليه وسلم يقول: ( أعطيت خمساً )؛ لأنه لم يعلم غيرها، ثم تأتي أحاديث أخرى، فيقول: ( فضلت بثلاث )، ثم تأتي فيقول: ( فضلت بست )، وهذا الجمع ليس بجيد؛ وذلك لأنه لو كان كما قال، لكان بعد الخمس تأتي ثلاث ولم تشارك الخمس الأولى، ثم تأتي ست ولم تشارك الثمان الأخريات، والواقع: أنه ربما يذكر في الثلاث بعض ما ذكره في الخمس، ويذكر في الست بعض ما ذكره في الخمس، وعلى هذا فالراجح: أن هذا مفهوم عدد، والعدد لا مفهوم له.
ولهذا روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون )، إذاً: زادت على حديث جابر اثنتان هما: ( ختم بي النبيون )، والثاني ( أعطيت جوامع الكلم )، والحديث الآخر حديث حذيفة ليس فيه إلا صياغة بعض العبارات.
التحدث بنعم الله
فإذا جاء أحد يتشكى، ونسي ما أنعم الله عليه؛ فإنه ربما يبالغ في تشكيه على ربه، وخاب وخسر، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وإن كان في سنده ضعف ففي سنده أبو عبد الرحمن يرويه عن الشعبي عن النعمان بن بشير ، والحديث ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يشكر في القليل لا يشكر في الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب )، وهذا الحديث وإن كان ضعفه غير واحد من أهل العلم كالبخاري حيث قال: لا يتابع أبا عبد الرحمن على هذا، وكذا قاله أبو حاتم ، إلا أن معناه صحيح.
فالنعم تزيد بالشكر، وتنقص بالكفر، والنعم إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت كما قال غير واحد من السلف رحمهم الله، والمبالغة اليوم: أن بعض الناس لا يحدث بنعمة الله عليه، بسبب الخوف من العين، فإذا قيل له: فلان ما شاء الله عليه، قال: لا، أنا مسكين، أنا ضعيف مسكين، هذا ما يقوله كثير: أنا ضعيف مسكين، بس والله لا حول لي ولا قوة، كل هذا نوع من التنكر لنعم الله عليه.
وقد ذكر بعض أهل العلم، كما أشار إلى ذلك أبو عمر بن عبد البر : أن التحدث بنعم الله نوعان: النوع الأول: التحدث بطراً ورياءً ومنه قوله تعالى: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78]، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من الكبر والفخر والخيلاء، ولهذا فإن الله قد ينعم على آبائك وأجدادك من الأشياء الشيء الكثير، فإذا ذكرت ذلك على سبيل الفخر والخيلاء؛ فإن الله ذم ذلك وقال صلى الله عليه وسلم: ( ليدعن أقوام فخرهم في آبائهم هم أهون على الله من الجعلان )، وقال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:200-201].
يعني: كأن الله سبحانه وتعالى أشار في هذه الآية إلى أن كثيراً من الناس يفتخر بآبائه أكثر من شكره لنعم الله عليه، فقال تعالى: كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200]، وهذا النوع الأول، وهذا لا يجوز.
وهذا يوجد في بعض الأماكن من يفتخر بمثل ذلك، فيضع الولائم لأجل أن يقال: هذا فلان ابن فلان، عنده من الأموال، وذلك نوع من الفخر، وقد رأت عيناي وحزنت لذلك أشد الحزن، حينما رأيت من يصنع وليمةً، وقد جعلها في مكان كبير، وجعل الأبعر على شكلها وهيئتها، وفوقها من بهيمة الأنعام من الشياه مشوية على مد البصر والعياذ بالله، وكل ذلك من الخيلاء، ولهذا من رأى مثل هذا، فلا يسوغ له أن يأكل منه؛ لأن هذا من المتفاخرين، وقد جاء عند أهل السنن من حديث ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين )، وأقول: إن الذين في انتخاباتهم يضعون السرادق والأطعمة ويقولون: نحن عندنا فلان وفلان، فهذا نوع من طعام المتباريين فلا ينبغي الأكل منه؛ لأن هذا من الفخر والخيلاء، ولم يقصد بها إعلاء كلمة الله، نعم يوجد بعض الناس يكرم ضيفه من باب أنهم جاءوا وتقطعت بهم السبل لأجل أن ينتخبوه، فصنع طعاماً يليق بمقامهم، أما الفخر والخيلاء، ويقال: كل يوم عندنا طعام، فإن ذلك نوع من المفاخرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباريين، هذا النوع الأول.
النوع الثاني: التحدث بنعمة الله من باب ما أضفى الله عليه من النعم، وما أسدى له من زوال النقم، فهذا من الواجبات في الجملة، وقد قال الله لنبيه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، فإن التحدث بنعم الله من شكرها، والله أعلم.
ولكن لا مانع أن الإنسان يخفي بعض جمال أولاده أو بناته خوفاً من العين، هذا لا مانع منه، وقد رأى عثمان رضي الله عنه صبياً له حفرتان بخديه، وهي نوع من الجمال فقال: سودوا زهمتيه، أو كما قال، يقصد بهذا: حتى تشين في نظر الناس، فهذا لا بأس، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، ( عندما دخل على
لكن فرق بين الإنسان إذا سئل عما أنعم الله عليه، يقول ويتمسكن ويتذلل، ويقول: أنا مسكين، أنا والله! يتيم ولا عندي شيء، هذا كثير والله ومع الأسف الشديد، فهذا فرق بين هذا وذاك.
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأمته
الثاني من الخصائص: أنه صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد، فقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فما سواه إلا تحت لوائي )، اللهم صل وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا منهم! اللهم اجعلنا منهم! اللهم اجعلنا منهم! وهذا يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الله من حسن حمده والثناء عليه ما لم يعط أحداً من الأنبياء، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم: ( فيفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطى، اشفع تشفع ).
وقد جاء عند الإمام أحمد و الترمذي من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من عبد يقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك )، فهذا يدل على أن الله قد علم نبيه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه لأحد من قبله، ولهذا تجدون أحياناً من يفتح الله عليه من حسن محامده ما لم يفتحه على أحد، وتسمعون بعض الأئمة يحسن الثناء على الله من غير تكلف ولا كلفة، فهذا نوع من حسن الثناء على الله، فقد يفتح الله لأحد من خلقه ما لا يفتحه لكثير من الخلق.
وعلى هذا: فإن كثرة محامده مما يحبه الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا أحد أحب إليه المدح من الله ولذا خلق جنته )، والحديث أصله في الصحيحين، وهذا يدل: على أن العبد ينبغي له أن يكثر من محامده فيقول: سبحان الله وبحمده، فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فيكثر من قول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، فإن هذه مما يحبها الله سبحانه وتعالى.
الثالث من الخصائص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلةً حتى تورمت قدماه فقيل له في ذلك: كيف تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً ).
الرابع من الخصائص: التأمين والسلام، والتأمين قد حسدنا عليه، يعني: التأمين في الصلاة، ولهذا تجدون بعض الناس ما يقولها، حتى ولو كان سنة، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على التأمين والتسليم )، والحديث رواه ابن ماجه وصححه بعض أهل العلم.
الرابع من الخصائص: إن الشيطان أعان عليه ربه فأسلم الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم )، أو فأسلمُ بالضم فرواية فأسلم، تعني: سأسلم من شره وهذا من الاستسلام، وهذا يدل عليه بدلالة التضمن أو دلالة الالتزام.
هذه الخصائص مع ما ذكرنا من الأحاديث سبع عشرة خصلة، وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقد عد بعضهم من خصائصه ستين خصلة، وأفضل من كتب في هذا -أعني به الخصائص النبوية- كتابان: غاية السول في خصائص الرسول لـابن الملقن ، والثاني: الخصائص الكبرى للسيوطي، ولعل كتاب السيوطي أجمع لأنه متأخر، وحسبك بـالسيوطي في جمعه.
إلا أنه ذكر مسائل لم يظهر فيها دلالة واضحة على أنها من خصائصه صلى الله عليه وسلم، مثل التثاؤب، ومثل ما ذكر في الاحتلام، هل يحتلم صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فذكر مسائل نقلها عن بعض أهل العلم ليس فيها ما يدل على أنها من خصائصه، بل إن قول أم سلمة و عائشة : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم ليصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصبح صائماً )، دليل على أنه كان بأبي هو أمي عليه الصلاة والسلام يحتلم.
وعلى كل حال: هذه مسائل جمعها بعض أهل العلم، وأفضل من كتب فيها السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى، إذا ثبت هذا، فهل هذه الخصوصيات خصوصية النبي للنبي وحده، أم له ولأمته؟ بعض أهل العلم يقول: إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في نصرته بالرعب، فقالوا: إن هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنها عامة، إلا ما جاء النص بخصوصيته، مثل: ( وختم بي النبيون )، وغير ذلك من المسائل التي لا تصلح إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، وأما سائر ذلك فهي عامة.
معنى قوله: (ونصرت بالرعب)
وأقول: إن واقع الغرب اليوم وتساهلهم مع الإسلاميين بهذا المصطلح إنما هو خوف من الجهاد؛ لأنهم رأوا أن نبذ الإسلام بالكلية مدعاة إلى زيادة الحنق عليهم والجهاد ضدهم، فلأجل ما كتبوا وقالوا من وجود إسلام معتدل يخفف من وطأة الخلاف بينهم، هكذا يصورون، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، وهذا أمر واقع يخطط الأعداء لما يريدون فيقلبها الله عليهم، فنسأل الله أن يعلي كلمته، وينصر دينه، وأن يجعلنا من حزبه وأوليائه، والله أعلم.
أنواع الشفاعات للنبي صلى الله عليه وسلم
الثانية: شفاعته لدخول الجنة، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: ( آتي باب الجنة فأستفتح فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك )، وهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل التوحيد، وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان يشاركه الأنبياء والمؤمنون والملائكة في بعض الأشياء، ولا نعلم كنهها، ودليل خصوصيته في هذا الأمر: ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته فاختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً )، فهذه شفاعته لأهل التوحيد.
وقلت: إنها لأهل التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط غير التوحيد، وقلت: إن بعض الناس يشارك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما جاء في الصحيحين ( إن الله قال: شفع الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا شفاعة أرحم الراحمين فيخرج الله من النار من كان في قلبه أدنى أدنى ذرة من إيمان )، والله أعلم، فقوله: ( شفع الملائكة والنبيون )، دليل على أن منهم من يشفع، ولهذا يخرجون فيقال: هؤلاء الجهنميون الذي لم يعملوا خيراً قدموه، والله أعلم.
الرابعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل قرابته، وهذا خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيحين أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! هل نفعت
الخامسة: شفاعته لقوم استحقوا النار فشفع ألا يدخلوها فلم يدخلوها، يقول ابن القيم : ويقول بعض الناس في هذا، ولم أجد إلى ساعتي هذه دليلاً يقول بذلك، هذا كلام ابن القيم ، مع أنه يقول: وقال بعض الناس، إذاً: قبل ابن القيم قال بها بعض أهل العلم، لكن ابن القيم يقول: لم أجد إلى ساعتي هذه، وقال شيخنا محمد بن عثيمين في شرحه للعقيدة الواسطية قال: وقد يستدل بذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن مات في الجنازة، فإن شفاعته ودعاءه ينفع ذلك، كما جاء: ( ما من مسلم يموت فيشفع له أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )، هذا قول شيخنا محمد .
وقد وجدت ولله الحمد دليلاً على هذا، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لرجل استحق العذاب ألا يعذب، وذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر فاجتوى المدينة فجزع فقطع براجمه فمات، يقول: فرأيته في المنام قد غطى يديه فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: قد غفر لي بهجرتي إلى نبيه، قيل: فلمَ رأيتك مغط يديك قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي: اللهم وليديه فاغفر، اللهم وليديه فاغفر، اللهم وليديه
يقول المؤلف: (باب التيمم)، التيمم في اللغة: هو التوجه والقصد، تقول: تيممت فلاناً أي: قصدته، ومنه قول الله تعالى: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، يعني: قاصدين، وقال تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، يعني: ولا تتوجهوا، ولا تتعمدوا، ولا تعمدوا إلى الإنفاق بالرديء لأجل أن تبقوا الحسن لكم.
وأما في الاصطلاح الفقهي: فإنه مسح الوجه والكفين من الصعيد، بدلاً عن الماء عند تعذر استعماله.
والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة في الجملة، والكتاب ثابت لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43].
وأما من السنة: فإن التيمم أحاديثه من المتواتر المعنوي، فقد جاء في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم، ولعل أشهرها هو حديث الباب حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأينما أدركت أحداً من أمتي الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )، هذا الحديث من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وسوف نتحدث عنه.
الحديث الثاني: حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمه أنه قال: ( أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى أتى إلى جدار فتيمم ثم رد عليه السلام )، والحديث معروف أخرجه البخاري و مسلم .
والحديث الآخر: حديث عائشة رضي الله عنها، وهو سبب فرضية التيمم أنها قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس
ويجعل الله سبحانه وتعالى البركة في الزمان، وأدلتها كثيرة، فجعل في رمضان بركة، وجعل في العشر الأواخر بركة، وجعل في آخر ساعة من يوم الجمعة بركة، وجعل عند خطبة الجمعة بركة، وجعل في السحر بركة، وجعل بعد أدبار الصلوات بركة، وجعل سبحانه وتعالى بعد العصر بركة، قال صلى الله عليه وسلم: ( ورجل بايع رجلاً بعد العصر فحلف له بالله أنه أخذها بكذا )، دليل على عظم وقت بعد العصر، وكل هذا يدل: على أن الله سبحانه وتعالى لا يختار إلا ما هو خير، وقال تعالى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2]، قال أهل العلم: فيه دلالة على أن وقت الضحى وقت بركة كما جاء في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، فكل هذه أوقات يختارها ربي كما يشاء: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].
ومن أدلة التيمم: حديث حذيفة رضي الله عنه، وسيأتي، وحديث علي بن أبي طالب وسيأتي، وحديث أبي ذر و أبي هريرة رضي الله عن الجميع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، هذه بعض أدلة التيمم.
من السنة وأما الإجماع: فقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع أهل العلم على مشروعية التيمم، نقل الإجماع ابن قدامة و النووي و الشوكاني وغير واحد من أهل العلم، وإجماعهم على المشروعية في الجملة، وإلا فقد اختلفوا فيما يجزئ من الصعيد، وعدد الضربات وغير ذلك مما سوف يأتي إن شاء الله تقريره في هذا الكتاب كتاب التيمم.
والتيمم هو من خصوصية هذه الأمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي )، وقال: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وفي رواية: ( وجعلت تربتها لنا طهوراً )، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الإمام أحمد وهو حديث جيد أنه قال: ( وجعلت لي الأرض مساجد وطهوراً فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، واحفظ هذه الجملة ( فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت )، الحديث، والحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد قال الإمام البخاري : رأيت الحميدي و أحمد و علي بن المديني يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده ومن الأئمة بعدهم؟ هكذا يقول البخاري : ومَن الأئمة بعدهم؟!
الحديث الأول هو حديث جابر الذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأينما أدركت أحداً منكم الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )، هذا هو الحديث، والحديث أخرجه البخاري و مسلم من حديث هشيم بن بشير قال: أخبرنا سيار أبو الحكم قال: أخبرنا يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهذا الحديث إسناده صحيح، وهشيم بن بشير إذا لم يصرح بالسماع فإنه ربما يخطئ؛ لأنه كان يدلس في بعض أحاديثه، فإذا صرح بالتحديث فإنه ثقة.
وقد كان أحمد رحمه الله يأتي هشيم بن بشير . يقول الراوي: فرأيت أحمد خرج من صلاة العشاء حتى وقف على باب هشيم فجعل يسأله ويتحدثان حتى أذن الفجر، الله أكبر حتى أذن الفجر.
لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد
لا تلم من جعل العلم يجري بدمه كما يجري الدم من جسد الإنسان، هذا نعمة من الله سبحانه وتعالى، وأشار أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن الله سبحانه وتعالى قذف في قلوب أهل الرعيل الأول محبة في العلم، حتى إنهم ربما تركوا الطعام والشراب كل ذلك حفظاً للدين، والله سبحانه وتعالى قد حفظ لهذه الأمة دينها، وقد قال عمر رضي الله عنه: إن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه، فالدين والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذه سنة الرحمن، الحق محفوظ، والدين محفوظ، لكن العبرة فينا نحن، هل نحن نكون من أوليائه؟ وهل نحن نكون من ضمن لواء الحمد الذي يرفعه صلى الله عليه وسلم، فيأتي النبيون ومن بعدهم من أهل طاعته ينضوون تحت لواء الحمد أم لا؟ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [21] | 2516 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [8] | 2428 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [24] | 2329 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [14] | 2133 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [15] | 2099 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [4] | 2095 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [26] | 2036 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [23] | 2025 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [16] | 1828 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [12] | 1717 استماع |