فقه العبادات [58]


الحلقة مفرغة

المقدم: في اللقاءات الماضية تحدثنا عن الأخطاء التي يقع فيها الحجاج في بعض أعمال الحج، وفي بعض المشاعر أيضاً، بقي علينا أن نعرف إذا كان هناك أخطاء يقع فيها الحجاج بالنسبة للهدي؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نعم يرتكب بعض الحجاج أخطاءً في الهدي منها:

ذبح هدي لا يجزئ

أن بعض الحجاج يذبح هدياً لا يجزئ، يذبح هدياً صغيراً لم يبلغ السن المعتبر شرعاً للإجزاء، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي الماعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)، ومن العجب أن بعضهم يفعل ذلك مستدلاً بقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، ويقول: إن ما تيسر من الهدي فهو كافٍ، فنقول له: إن الله قال: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، و(أل) هذه لبيان الجنس، فيكون المراد بالهدي: الهدي المشروع ذبحه، وهو الذي بلغ السن المعتبر شرعاً، وسلم من العيوب المانعة من الإجزاء شرعاً.

وأما قوله: (فما استيسر)، أي: بالنسبة لوجود الإنسان لثمنه مثلاً؛ ولهذا قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]، فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن، ويقول: هذا ما استيسر من الهدي، ثم يأكله أو يتصدق به، وهذا لا يجزئ للحديث الذي أشرنا إليه.

ذبح هدي فيه عيب

ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الهدي: أن يذبح هدياً معيباً بعيبٍ يمنع من الإجزاء، والعيوب المانعة من الإجزاء ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام حين تحدث عن الأضحية، وسئل: (ماذا يتقى من الضحايا؟ فقال: أربع، وأشار بيده عليه الصلاة والسلام: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والهزيلة أو العجفاء التي لا تنقي)، أي: التي ليس فيها لحم أو مخ، فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء، فأي بهيمة يكون فيها شيءٌ من هذه العيوب أو ما كان مثلها أو أولى منها فإنها لا تجزئ في الأضحية، ولا في الهدي الواجب كهدي التمتع والقران والجبران.

رمي الهدي بعد ذبحه

ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في الهدي: أن بعضهم يذبح الهدي ثم يرمي به، ولا يقوم بالواجب الذي أوجبه الله عليه في قوله: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، فقوله تعالى: (أطعموا) أمرٌ لا بد من تنفيذه؛ لأنه حقٌ للغير، أما قوله: (كلوا منها) فالصحيح أن الأمر فيه ليس للوجوب، وأن للإنسان أن يأكل من هديه وله ألا يأكل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي من المدينة إلى مكة ولا يأكل منه، بل يذبح في مكة ويوزع ولا يأكل منه، لكن قوله: (أطعموا) هذا أمرٌ يتعلق به حق الغير، فلا بد من إيصال هذا الحق إلى مستحقه، وبعض الناس كما قلت: يذبح ويدعه، فيكون بذلك مخالفاً لأمر الله تبارك وتعالى، بالإضافة إلى أن ذبحه وتركه إضاعةً للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وإضاعة المال من السفه؛ ولهذا قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، وهذا الخطأ الذي يقع في مثل هذه المسألة يتعلل بعض الناس بأنه لا يجد فقراء يعطيهم، وأنه يشق عليه حمله لكثرة الناس والزحام والدماء واللحوم في المجازر، وهذا التعليل وإن كان قد يصح في زمنٍ مضى لكنه الآن قد تيسر؛ لأن المجازر هذبت وأصلحت؛ ولأن هناك مشروعاً افتتح في السنوات الأخيرة وهي أن الحاج يعطي اللجنة المكونة لاستقبال دراهم الحجاج لتشتري لهم بذلك الهدي وتذبحه وتوزعه لمستحقه، فبإمكان الحاج أن يتصل بمكاتب هذه اللجنة من أجل أن يسلم قيمة الهدي ويوكلهم في ذبحه وتفريق لحمه.

ذبح الهدي قبل وقت الذبح

ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الحجاج يذبح الهدي قبل وقت الذبح، فيذبحه قبل يوم العيد، وهذا وإن كان قال به بعض أهل العلم في هدي التمتع والقران فإنه قولٌ ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد، مع أن الحاجة كانت داعية إلى ذبحه، فإنه حين أمر أصحابه رضي الله عنهم أن يحلوا من إحرامهم بالحج ليجعلوها عمرة ويكونون متمتعين، وحصل منهم شيءٌ من التأخر، قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معهم)، فلو كان ذبح الهدي جائزاً قبل يوم النحر لذبح النبي عليه الصلاة والسلام وحلل الإحرام معهم تطييباً لقلوبهم، واطمئناناً لهم في ذلك، فلما لم يكن هذا منه صلى الله عليه وسلم علم أن ذبح الهدي قبل يوم العيد لا يصح ولا يجزئ، ومن العجب أني سمعت من بعض المرافقين لبعض الحملات التي تأتي من بلاد نائية عن مكة أنه قيل لهم -أي لهذه الحملات-: لكم أن تذبحوا هديكم من حين أن تسافروا من بلدكم إلى يوم العيد، واقترح عليهم هذا أن يذبحوا من الهدي بقدر ما يكفيهم من اللحم لكل يوم، وهذا جرأةٌ عظيمة على شرع الله وعلى حق عباد الله، وكأن هذا الذي أفتاهم بهذه الفتوة يريد أن يوفر عليه نفقات هذه الحملة؛ لأنهم إذا ذبحوا لكل يومٍ ما يكفيهم من هداياهم وفروا عليه اللحم، فعلى المرء أن يتوب إلى الله عز وجل، وألا يتلاعب بأحكام الله، وأن يعلم أن هذه الأحكام أحكامٌ شرعية أراد الله تعالى من عباده أن يتقربوا بها إليه على الوجه الذي سنه لهم وشرعه لهم، فلا يحل لهم أن يتعدوه إلى ما تمليه عليه أهواؤهم.

أن بعض الحجاج يذبح هدياً لا يجزئ، يذبح هدياً صغيراً لم يبلغ السن المعتبر شرعاً للإجزاء، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي الماعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)، ومن العجب أن بعضهم يفعل ذلك مستدلاً بقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، ويقول: إن ما تيسر من الهدي فهو كافٍ، فنقول له: إن الله قال: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، و(أل) هذه لبيان الجنس، فيكون المراد بالهدي: الهدي المشروع ذبحه، وهو الذي بلغ السن المعتبر شرعاً، وسلم من العيوب المانعة من الإجزاء شرعاً.

وأما قوله: (فما استيسر)، أي: بالنسبة لوجود الإنسان لثمنه مثلاً؛ ولهذا قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]، فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن، ويقول: هذا ما استيسر من الهدي، ثم يأكله أو يتصدق به، وهذا لا يجزئ للحديث الذي أشرنا إليه.